كمّ هادر من الجماهير، تدفّق منذ ساعات الصّباح على شارع الثّورة، تجاوزوا ألوانهم الحزبيّة واختلافاتهم الفكريّة، غابت الرّايات الحزبيّة وحضرت راية الوطن ودستوره، الذي أقدم أمس، 25 سبتمبر الفاشيّون الجدد على حرقه، بعد خرقه وتشبيهه بالحذاء. مواطنون ضدّ الإنقلاب جمعهم رفض الإنقلاب على الشّرعيّة بمؤسّساتها الدّستوريّة وهيئاتها الرّقابيّة،لمصلحة مشروع شخصي ،أبرز ملامحه، قتل الدّيمقراطيّة وتركيز جميع السّلطات بلا استثناء في يد واحدة،متحرّرة من كل سلطة رقابيّة أو آليّة محاسبة.
السّادس والعشرون من سبتمبر، شكّل عودة الوعي، بعد بهتة الصّدمة من الإجراءات الإستثنائيّة التي أعلن عنها سعيّد يوم25 جويلية،ثمّ بدأت تتطوّر إلى انقلاب كامل الأوصاف بإصدار الأحكام الإنتقاليّة وتجميد كامل ونهائي للبرلمان والإستمرار في ذلك دون سقف زمني.
26 أيلول، يوم من أيّام شعب تونس الحقيقي وليس الوهمي، لا يختلف عن 14 جانفي، شهران من الشعبويّة كانا كافيين، ليكتشف التّونسيّون وخاصّة المتردّدون زيف حركة 25 جويلية ولنكتشف معا أنّ جذوة الثورة ،مازالت كامنة فينا رغم خيبة الأمل في منجزات الثورة اجتماعيا واقتصاديّا، ورغم فشل الاحزاب الحاكمة والحكومات المتعاقبة في تحقيق مطالب الشّعب. لاشكّ أنّ صورة البرلمان، بالغة السّوء، بسبب عراك الأحزاب بطريقة مقرفة ومقزّزة قد عجّلت بإجراءات 25جويلية ولكن في المقابل، فإن الدّخول الفعلي في مسار غير دستوري وبطريقة منفردة إلى جانب خرق الدّستور ثمّ حرقه، قد عجّل بالتظاهرة الشعبية العارمة، التي أسقطت جملة من المرويّات:
1// أسقطت مرويّة أنّ الشعب كلّه مع التّدابير الإستثنائيّة التي أعلن عنها يوم 25 جويلية.
2/ أسقط مرويّة أنّ الذين خرجوا يوم 25 جويلية هم كامل الشّعب التونسي.
3/ أسقطت وهم امتلأك الشّارع والتفويض الشعبي لقتل الديمقراطية واستبدالها بحكم الفرد الذي يملك تفويضا شعبيا يغني عن الإنتخاب، ليفعل بالدستور وبالنّظام السّياسي،ما يريد، لا شريك له في حكمه غير الصّديق،الذي يزيّن له أفعاله.
4/أسقطت وهم امتلاك الحقيقة، في تأويل الدستور وفي فهم كلّ شيء، ليستولي على كلّ شيء، حتى إرادة الشّعب.
5/ أسقطت سبر الآراء المزيّف الذي ما فتئ الزرڨوني يروّج له، ومفاده أن80% او يزيدون من الشعب هم مع كلّ إجراءت الرّئيس.
6/ أسقطت نهج ازدراء دعوات الحوار (من يريد خارطة الطّريق ليبحث عنها في كتب الجغرافيا) وازدراء قامات في الفكر السياسي والفلسفي والقانوني (لو عادوا إلى الصّفّ الأوّل ابتدائي لتحصّلوا على أصفار) .
7/أسقطت وهم رعاة الثورة المضادّة أنّ قوس الحرّيّة في تونس منطلق الثورات العربيّة، بات غلقه ممكنا.
8/ أسقطت الشعبويّة التي تخاطب الغرائز وتصّور لهم أنّ الإنقلاب يمكن أن يخرجهم من "جحيم الدّيمقراطيّة" إلى "جنْة الإستبداد" ومن الفساد المطلق إلى الصّلاح المطلق.