عندما تتحول تونس إلى ملف ضمن الملفات المعروضة في المباحثات المصرية الأمريكية، مثله مثل ملفات أخرى من بينها الملف الفلسطيني أو السوداني، نكون قد أصبحنا حالة مستعصية، في عجز عن الوصول إلى حل إلا بتدخل من القوى الدولية والإقليمية والتوافق بينها بشأننا. وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ تونس المستقلة لا يمكن إعفاء الانقلاب منها.
وإلا فما معنى أن يتفق وفدان أمريكي ومصري على "العودة للنظام الدستوري في تونس"، إن لم يكن يعني التنسيق بينهما للتدخل في شؤوننا. وهو ما يدعو للأسف الشديد، ويكذّب كل أولئك الذين يتكلمون عاليا عن السيادة الوطنية، وهم مساهمون في هذا الوضع الرديء.
الواضح من جهة أخرى، أن حاكم مصر عبد الفتاح السيسي، يتكلم عنا كما لو أنه وكيل أمرنا، وهذا لم يكن ممكنا لولا الدور الذي لعبته مصر دعما أو حتى تحضيرا وتحريضا على ما حدث يوم 25 يوليو، ولست بحاجة إلى التذكير هنا بما تلاه من زيارات كبار المسؤولين المصريين لتهنئة قيس سعيد والتعبير عن دعمه، ولا حتى الإشاعات حول وجود خبراء أمنيين أو استخباراتيين مصريين في بلادنا.
والنتيجة في آخر الأمر هي أن بلادنا أصبحت مجرد ورقة لتحسين شروط التفاوض عند المصريين فيما يتعلق بمصالحهم القومية. بمعنى أن ما أعلنه قيس سعيد في أفريل الماضي من تبعية الموقف التونسي للموقف المصري فيما يتعلق بسد النهضة الأثيوبي، حوّل بلادنا إلى مجرد تابع للسياسة الخارجية المصرية.
وأن يتفق المصريون مع الأمريكان يوم 29 سبتمبر على "العودة للنظام الدستوري في تونس"، فمعناه أنهم يقايضون هذا الموقف بموقف أمريكي يتعلق بسد النهضة الأثيوبي. إذ عبر الأمريكي عن دعم بلاده "للتوصل لحل دبلوماسي لأزمة سد النهضة الإثيوبي وأبدى تفهمه لمخاوف مصر المتعلقة بحصتها في مياه النيل". وهو ما يعني أن تونس كانت خلال ذلك مجرد ورقة بيد السيسي، استعملها من أجل تحقيق مصالح بلاده القومية. ولا عزاء للأغبياء بيننا.
من جهة أخرى، وإذ اتجه الأمريكان لتطارح الملف التونسي مع الجانب المصري، فكأنهم يثبتون أن مصر هي العنصر الأساسي في دعم الانقلاب، وهم بذلك يقدمون خدمة لفرنسا، إذ يستبعدونها من التدخل في الشأن التونسي، وهذا في حد ذاته نوع آخر من التفاوض الأمريكي الفرنسي على ملفات إقليمية وحتى في الملف التونسي.