طريق الشرف الموحش ابقى من طريق اذعان و لو كثر سالكوه
ليس اكثر مرارة من ان تجد نفسك في اخر سنوات الكهولة و انت مازلت معارضا للسلطة الحاكمة متمترسا في تعب المواجهة و المناكفة .لكنها مرارة شريفة تخلف عسلا منعشا في الحلق فتشعر بعزة الاحرار .
كنت امني النفس هذه السنوات باستقرار البلاد في الديمقراطية و التداول السلمي للمشاريع الوطنية على الحكم فنطمئن على وطن حرية تليق بحياة ابنائي و احفادي و تختلف عن حياتي و حياة ابائي و اجدادي لأنصرف مطمئنا الى الراحة و الكتابة و السفر مكتفيا بالتقدم في كل مناسبة انتخابية لادلي بصوتي بفخر و اعتزاز مثل مواطن حر يشعر بشرف مواطن بولونيو الذي ذكره روسو في كتاب العقد الاجتماعي .
لكن من الواضح ان القدر يكتب لنا استمرار المنازلة من اجل الحرية بماهي الصفة الاساسية للإنسان .
يستغرب عدد كبير من العبيد من معنى ان تقضي عمرك معارضا للاستبداد دون ان تتقدم في يوم من الايام حتى بعد الثورة لتنال نصيبا من جاه او سلطة و لذلك يربط كثير من صغار النفوس نضال عدد من الصادقين من اجل الحرية بافتراض مقابل سلطوي و سرعان ما يخيب ظنهم و تأكل صدورهم غيرة الغضب من كونهم وحدهم ملوثين حين لا يجدون للمقاتلين من اجل الحرية مطعنا اخلاقيا في نيل غنيمة المعارك .
استغراب العبيد منا لا يقل عن استغرابنا من ادمانهم في كل العهود طأطأة الرأس لكل صاحب سلطان انتظارا للريع و ذلك لا فقط لطمع متأصل فيهم، بل و اساسا لجبن ساكن في نفوسهم الهشة يعوضون عنه بشجاعة الشراسة تجاه " البهيم القصير " و تزلف دائم لصاحب السلطان القوي اذا امسك كرباج القوة القاهرة للدولة فيطيعون، حتى لو لم يمنحهم غير الفتات .
عندما كنا نقارع مؤامرات الانقلاب على الحرية في استقطابات 2012 و 2013 كان البعض يظن ذلك من اجل السلطة القائمة وقتها فخاب ظنهم لأننا كنا نكافح من اجل وطن حر لأبنائنا اما ريع السلطة فقد ناله متزلفون اخرون منهم الان من يتزلف للانقلاب لينال ريعه كما ناله في عهد الترويكا و حين كنا ننقد توافق خماسية 2014 و 2019 دون ان نصل الى حدود استقطاب وظيفي كان يحصر معارضته للتوافق المغشوش في لوم النداء اي القديم على انه تحالف مع النهضة و يمارس الضغط الوظيفي كي يكون التوافق لصالح نداء القديم فوقفنا في المقابل ضغطا وظيفيا شريفا على القديم و في ذلك وضع للنفس خارج منطق الغنم و لكن في قلب استراتيجية الدفع الى الحرية .
و حين تمايزنا عن مناكفات 2019 الى جويلية 2021 و ركزنا على نقد الفاشية و الوظيفية فقد كان في سياقا لتمييز الاستراتيجي بين الصراع تحت الديمقراطية لمعارضة حكومة طلبة التجمع باسم الثورة و الانتقال و الصراع ضد الديمقراطية بقيادة الفاشية تمهيدا للشعبوية ..لم نكن نفعل ذلك الا من اجل وطن حر لأبنائنا و احفادنا . و بمجرد اعلان انقلاب 25 كان قرارنا ان نكف نهائيا عن مضاغة رداءة المشهد السابق ليصبح الرئيسي عندنا هو اسقاط مشروع الاستيلاء القهري على السلطة بالقوة الصلبة للدولة .
ان تكون دوما في موقع " الضعفاء " سياسيا بالمعنى البراغماتي للكلمة هو شرف حقيقي لا يفهمه العبيد . لهذا كنت اقول دوما للمهزوزين الانتهازيين الذين يريدون ارضاء اهتزازهم النفسي بنسبة الركوب و الانتهازية للشرفاء : اعطونا معركة واحدة خضناها في الصف الذي يجلب المنافع ؟ العكس هو الصحيح فقد كنتم دوما قبل الثورة و بعدها في صف تبرير اعطاء ظهوركم للمستبدين عبر خوض المعارك الوظيفية التي تربح اكثر و اهمها ربط كل معركة بمضاغة النهضة و الاسلام السياسي وهي اكثر المعارك جلبا للريع من المهيمنين على مشهد الاستبداد و مربعات النفوذ المالي و الاعلامي و الاكاديمي : سب " الخوانجية" فيه " مصوار " اكثر من تحمل خوض معركة الحرية و تحمل ضريبة الوصم بخدمة " الخوانجية " ايها الكذابين .
العبيد فطريا لا يستطيعون فهم معنى ان تهب نفسك لشرف ذاتي : ان لا يكسرك متسلط مهما كانت القوة القاهرة التي يملكها فتقول له انت مستبد انقلابي، حتى لو كان كل العالم معه….من ادمنوا تأجير ظهورهم للسلطان الغاشم لا يفهمون معنى ان تكافح من اجل حرية قادمة لأبنائك و احفادك دون ان تحسب لمن يكون ريع كفاحك في لحظة حاضرة …العبيد وحدهم يسألون : لماذا نتحرر ما دمنا عند سيد يرعانا و نخدمه و ينش عنا اعداءنا بعصاه الغليظة، حتى لو اولجها في دبر شرفنا …