قد تختلف مصالح الدول حول الانضمام الى مجموعة الفرانكوفونية. فمنها توسيع دائرة نفوذ فرنسا المتعددة من خلال الوسيلة الثقافية وبالتالي تعزيز "قوّتها الناعمة" -وهي عنصر من عناصرها- التي اصبحت تحل محلّ "القوة المباشرة" وفق التحوّلات في الاستراتيجية الجغرافية للدول خلال العشريتيْن الاخيرتيْن.
وهنا يمكن الاطلاع على ترتيب الدول من حيث القوة الناعمة لسنة 2018، حيث بريطانيا ودول اوروبا الشمالية وامريكا والصين تحتل المراتب الاولى، مع تراجع نسبي لفرنسا. ومنها ما يسمح للدول التابعة من الانظمام الى محور دون آخر.
ومنها ما يستثمر فيها سياسيّا لتسجيل نقاط سياسية في الداخل. وفيها من يقدّم بديلا لكن بالتبعية الى ثقافة اخرى منافسة. ومنها من الدول التي ليس لها اي رابط استعماري او ثقافي مع فرنسا والتي تقدّمت بطلب الانضمام حتى بوضع "مراقب"، سعيًا منها لتنويع شراكاتها الخارجية، ومنها بعض الدول الافريقية التي قد تكون ارتأت اعادة التمحور الاقليمي والدولي، بدأت تُراجع تبعيّتها الثقافية لفرنسا مثل الجزائر، ثاني بلدٍ في العالم الناطق بالفرنسية- حتى ولو يعتبرها البعض حديقةً فرانكوفونية ترفض العباءة الرسمية- وغيرها من بلدان افريقيا-جنوب الصحراء.
كل هذه الدول بدت تتحقّق من ضعف الاستفادة التنموية من الفرنكوفونية سواءً بالانضمام الرسمي لمنظمتها او بالتبعية لثقافتها، ناهيك الافاق المستقبلية، ويكفي المقارنة بين دول افريقيا الشرقية وهي مستعمرات انجلوفونية سابقة في مجملها، وبلدان افريقيا الغربية الفرانكوفونية. اذْ الاولى افضل تنموياً من الثانية.
وامّا الحديث عن المؤتمر في تونس من عدمه الذي كان من المنتظر ابرامه في عام 2020، فقد تكون فرصةً لبلد اهترأت مؤسساتُه وضعفت دبلوماسيته وتقهقر اقتصاده وتراجع دوره في استقرار المنطقة وهزل خطابُه، وتقلّصت قدراته على ترويض الصدمات الخارجية …
قد تكون فرصةً لتدارك بعضٍ من ذلك. وامّا ان نجعل منه قضيّة مصيريّة تغنينا عن الرافعات الثابتة للازدهار الاجتماعي والثقافي والمواطنة بالاقتصار على تداعياته التجارية المحلية خلال القمّة، فذلك سيكون من قبيل الزوبعة في فنجان.