خرق السّفينة و قتل الصّبي و هدم الجدار، فعل ذلك و لم يتبع سببا، و لم يكن الخضر بصحبة موسى صاحب العصا و الالواح، كان دعيّا أخرق و قرصانا أحمق تسلّل إلى قمرة القيادة في لحظة غفلة ليمارس العبث.
السّفينة تغرق و السّقف ينهار و الأمواج كالطّود بطول الجبال و الرّياح عاتية تمزّق الأشرعة و تقطع الحبال، و الربّان القرصان المنعزل في قمرته يعبث بالمقود يمينا و شمالا و يبشّر البعض بالخلاص و للآخرين بسوء المآل.
السّفينة معطّبة و أشرعتها بالية ممزّقة و المؤكّد انّ عطبها ليس وليد اللّحظة أو هذه السّنوات العشرة، بل هي تراكمات الصّدأ على محرّكها المستورد القديم، و أشرعة من ورق رهيف تمزّقت و لم ترتق في الحين و حبال من خيوط العنكبوت لم تعوّض و لم تمتّن.
كلّ مرّة يقع تفادي الغرق و تأجيل لحظة ارتطام السفينة بقاع البحر و تصديرها إلى اللّحظة الّتي تليها.
"دزتخطف" و "دردر و الرّسول يبارك" و "تونس سخونة و عندها رجالها" و هي " ماشية ببركة ربّي" حتّى" وخّر وخّر حتّى ظهر البهيم وفى".
النّتائج السلبية الكارثية الّتي نشاهدها اليوم هي منتوج طبيعي للعمليّة الكيميائية و لتفاعل عناصرها الأساسية و الّتي تنذر بانفجار كبير قد يحصل، قيس سعيد من حيث لا يدري يسرّع بحدوثه دون أن يدري شيئا عمّا سيحصل بعد هذا الانفجار الّذي قد لا يستثني أحدا و قد لا يخلّف سوى الدّمار.
تصنيف بلادنا في القسم ج كان منتظرا و يتحمّل الجميع مسؤولية ذلك و يتحمّلها بالدّرجة الأولى من استأثر بجميع السّلطات و جعل نفسه ناطقا وحيدا باسم الشعب و الوطن و ممثّلا أوحدا له و من تقدّم لأجل تلك المهمّة فعليه أن يتحمّل ثقلها و تبعاتها و مسؤولياتها، فنحن فيما سبق كنّا نستجدي بديمقراطيتنا و نبرّر لأنفسنا و نطلب عذرا من الآخرين لصعوبات الظرف و خصوصياتنا فنطلب من الدّائنين بأن يمهلوننا فسحة و مهلة و نعطيهم أملا و لو زائفا بأنّنا نعمل على تسديد ما علينا،
عقلية دولة مستوحاة من شخصية التونسي القاعدية عندما يكون مديونا: اصبر عليّ شوية.. و ما تعرف الخدمة ماهيش ماشية...تو تتفلفل و نخلّص خوي..كان تنجّم زيد سلّفني...و كبّوس هذا راس هذاكا...و هكذا..نحن مديونون في عصر المديونية و عصر العبودية المعاصرة، فماذا فعلنا لكي نتحرّر ؟ لكي تكون لنا السّيادة الحقيقية و ليست الفضفاضة الّتي يتشدّقون بها؟ لكي يكون لنا قرارنا؟ لكي تكون لنا كلمتنا المحترمة المسموعة؟
أ بالخطابات الخشبية الممجوجة المفرغة من معانيها و الّتي لا تسمن و لا تغني من جوع؟ أبالتشنّج و التنطّع و تصعير الخدود و الرّعونة و الحمق؟
كيف نطلب منهم أن يراعوا لنا ظروفا و نسمعهم ما لا يرضون ؟ كيف ندّعي قوّة و نحن في أشدّ لحظات الوهن و على وشك الانهيار و السّقوط؟ هل سعينا لأجل أن تكون لنا مقوّمات القوّة ؟ هل تغيّرنا؟ هل قرأنا؟ هل قرأنا ما قاله بيدبا للملك ديشليم في الناسك و ابن عرس، او في حكاية ايلاذ و بلاذ و ايراخت أو واقعة الأسد و الثور؟
هل قرأنا لابن خلدون و قد نصبنا له تمثالا دون أن نتّخذه مثالا؟ هل قرأنا لكونفيشيوس حول المعرفة و الجهل؟ هل قرأنا لسيّد الأنام و نحن نستعدّ للاحتفال بمولده احتفالا طقوسيا بلا روح و دون أن يكون له أثرا في الحال؟ هل قرأنا القرآن الّذي نردّده كلّ يوم كفونوغراف دون أن نتدبّر معانيه أو نعمل بما ورد فيه كالأحمرة الّتي تحمل أسفارا؟
وضعيتنا كارثية بكلّ المقاييس و قد تحصل معجزة لتفادي الانفجار و لكن ستؤجّله إلى حين في ظلّ عدم وجود مراجعة جذرية لكلّ المسار.
و ربّ ضارّة نافعة.