الانقلاب يعيش مشكل الشرعيّة، وهو مشكل لا يحلّه الاستيلاء على المؤسسات ولا الجمع بين كلّ السلطات. لذلك يهرب إلى "اسطوانة السيادة"، وهو يعلم أنّ الشروط التي ساندته إنّما هي إقليميّة ودوليّة ومن محاور معلومة لا تُخفي مناهضتها للثورة والديمقراطيّة والاختيار الشعبي الحر، منذ 2011.
ويمثّل الشارع الديمقراطي أكبر تحدٍّ للانقلاب، فقد قوّض سرديّته الشعبويّة وأكذوبة التفويض الشعبي. وأمكن لهذا الشارع تثبيت أنّه لا حلّ سياسي للأزمة خارج مرجعيّة الدستور والديمقراطيّة. وصار هذا الإطار المرجعي أرضيّة تجمع أوسع القوى السياسيّة المدافعة عن الديمقراطيّة والمواطنة…
تحت تأثير هذا التحدّي الميداني لم يبق للانقلاب غير معجم الترذيل والتخوين والتكفير. خطاب مقسّم يصدر عن مؤسسة الأصل فيها أنّها تمثّل كلّ التونسيين.
والجانب الثاني من تحدّي الشارع الديمقراطي ربطه السيادة بالديمقراطيّة، فلا سيادة خارج قيمة المواطنة، وأنّ الاستبداد (ويمثّل الانقلاب نموذجه الأشدّ تخلفا) مقدّمة إلى التبعيّة ورهن الأوطان. وسيكون موضوع التطبيع محطّة سينكسر عندها آخر ما يُقيم حكاية السيادة". فمن قال: التطبيع خيانة عظمى" لا يمكنه أن يعيدها مرّة أخرى فقد كانت بيضة الديك، وتحقّقت الغاية منها في حينها.
ولمّا كان الانقلاب مولعا بالردود والتحدّيات فليُعِدْ على مسامعنا ثانية جملة "التطبيع خيانة عظمى" في خطبة من خطبه وهو يمسك بكلّ "مقومات السيادة"، حتّى نصدّقه في الأولى.
علاقة الانقلاب بالتوازنات الإقليميّة والدوليّة قد تدفعه إلى موقف نقيض في موضوع التطبيع، فضلا عن أنّك لا تجد مطبّعا واحدا من مطبّعينا مناهضا للانقلاب (وهو محال). وهؤلاء المطبّعون والمرتزقة هم أكثر المثرثرين بخطاب السيادة هذه الأيّام. وجعلوا من "ترذيل الديمقراطيّة" أساسا لـ"ثوريّة متخيّلة" هي أشبه بالعزاء لهم عن عجزهم عن الوقوف ولو مرّة واحدة في حياتهم موقف عزّة فيه انتصار للحريّة والإنسان والاختلاف....انتصار لوطنهم…
يتواصل تجريف مقوّمات السيادة بخطاب سيادي أجوف لا يتقن التحرّك إلا في مواطن الالتباس…