لا تذكر مواقف انتهازيّة إلّا وبيان المكتب التّنفيذي للمركزيّة النّقابيٍة في مقدّمتها، طوال الحكم النّوفمبري، ولا يذكر خذلان للشّغّالين، دون أن يكون للبيروقراطية النقابيّة نصيب منه، وهي تثمّن عاليا ما تحقّق للشّغالين من مكاسب في ذاك "العهد السّعيد"، وقد عمّهم "الرّخاء" إلى الأذقان، وأغرقهم في رغد العيش إغراقا، قيل إنّ أمما، كانت تحسدنا عليه. يخيّل إليك وانت تتابع خطابات أمينه العام وقتها وهو بين يدي صانع التّغيير، لكأنّ تونس، لم يبق فيها فقير واحد… ولا جائع ولا عاطل عن العمل مع أنّ الأرقام كانت مفزعة.
كدنا ننسى ذلك كلّه في غمرة المطلبيّة الإجتماعيّة، وما رافقها من احتجاجات وإضرابات شملت كلّ القطاعات دون استثناء وقد حظيت في أغلبها بدعم المنظّمة الشغيلة بعد الثورة، وقد رفعت لواء الدّفاع عن حقوق الشّغّالين في تحسين أوضاعهم الإجتماعيّة، وقد تحقّقت من المكاسب لكلّ القطاعات في عشر سنوات،سمتها عدم الإستقرار السّياسي والإجتماعي، ما عجزت المنظّمة الشّغيلة عن تحقيقه على امتداد ربع قرن من الإستقرار السّياسي، فهل كانت العشريّة، أكثر سوادا من سابقاتها؟
كدنا ننسى بيانات، كانت تصدر عشيّة السّابع من نوفمبر من كلّ عام وهي تتغنّي بارتفاع نسب التّغطية الاجتماعية تحت شعار "معا نرفع التّحدّيات"... كدنا ننسى ذلك في خضم رفع لواء الدّفاع عن المؤسّسات العموميّة مع أنّ الخوصصة كانت تتمّ تحت أنظارهم، وكدنا ننسى أنّهم، كانوا جزءا من نظام مستبدّ، في غمرة رفع لواء الدّيمقراطيّة والحقوق والحرّيات بعد الثورة، وكدنا ننسى التّشغيل الهشّ الذي بات مدانا وقد كان ساري المفعول دون أن يعترضوا على ذلك،بل كانوا يعتبرونه "حلّا عبقريّا" للحدّ من البطالة. ولم يرفع تحدّي التّشغيل الهشّ إلّا في العشريّة، التي تسمّيها البيروقراطيّة النّقابيّة "سوداء".
كدنا ننسى، ذلك كلّه، بعد أن لبست البيروقراطيّة النّقابيّة ثوب الإستقامة بعد الثّورة واستبشرنا باستعادة ميراث حشّاد العظيم في الولاء للشّعب والإخلاص لقضاياه، قبل الولاء لحكّامه... كدنا ننسى حتى جاءنا بيان المكتب التّنفيذي وقد خلع ثوب الإستقامة ورمى بنفسه على الإنقلاب. فمن أيٍ شيء تتفصّي البيروقراطيّة النّقابيّة؟ هل تتفصّي من مكاسب العشريّة في حقوق الشّغّالين وفي الحرّيات، التي خوّلتها إسقاط حكومات وتعيين وزراء؟
البيان خلا من المطلبيّة ومن غلاء المعيشة وتدهور المقدرة الشّرائيّة للمرّة الأولى منذ عشر سنوات، جاء يسرد عيوب "العشريّة السّوداء" ،وقد كان شريكا فيها، كما كان أحد عاهاتها. لا تسقط حكومة إلّا وهو طرف في إسقاطها، ولا تتشكّل حكومة دون علمه.. بيان تجاوز أسوأ ما يمكن أن يتخيّله عقل عن الإنتهازيّة والتّسطيح.