إستمعت إلى خطاب الرّئيس في مجلس الوزراء و هو خطاب ينطلق من حقائق يقرّها الجميع ليطرح حلولا و أطروحات لا تنتمي إلى الواقع و لا إلى الحاضر و لا إلى المعقول.
سأتحدث هنا على مشروع قيس سعيد منذ 2012 و هو الصّلح الجبائي و هو لا ينتمي لا إلى الصّلح و لا إلى العدالة و لا إلى حقوق الإنسان بأي صفة.
يقول الرئيس سنرتّب الفاسدين الذين سرقوا المجموعة الوطنية ترتيبا تنازليا.. من سيقوم بهذا؟ يقول الرئيس لجنة خاصة سيقع تقريرها بمرسوم وزاري في هذا الوضع الإستثنائي بما معناه أنّه هو الرّئيس الذي سيقرّر ذلك بعيدا على أي مسار قضائي.
ثمّ يقول الرئيس سيقع ترتيب المعتمديات من الأكثر فقرا إلى أقلها و سيتكلّف الفاسدون بالمعتمديات حسب الترتيب.
و يضيف أن ما سيقوم به "رجل الأعمال الفاسد" في المعتمدية هو النّزول عند رغبة المتساكنين للقيام بمشاريع تهمهم.. علما و أنّها لن تكون في مجال الإستثمار و لكن بصفة عامة في ميادين البنية التحتية و المشاريع الإجتماعية مع مسؤولية لمدة عشر سنوات لصيانة ما قام به.. و مع إمكانية تغريمه بغرامات في صورة إخلالات في هذه المدّة.
هل تخيّل الرّئيس كيف سيقع قبول "المعاقب" في الجهة في ظرف بلغ فيه الحقد الطبقي و الفئوي مستويات لم تعرفها بلادنا قطّ بمباركة خطابات سيادته الحاملة مضمونا و شكلا لكل ما يؤججه و يغذيه.
هذا المنطق لا ينتمي لمنطق الدولة طبعا. لأن الدولة بمؤسساتها هي الراعية للتنمية في كل جهات الجمهورية .. وهي التّي تجمع الإعتمادات المالية من كل مصادرها و هي التي توزع أموال التنمية على الجهات. أما لمن يقول أن الدولة عجزت على ذلك.. فلهم السؤال: هل أن تعويض الدولة بأفراد سيحل الإشكال و لهم النظر في أسباب العجز و تداركها.. أليس ذلك أنسب؟
هذا المشروع هو مشروع "التشفي الإجتماعي" بما يحمله من ثقافة غريبة على الدولة و بما يحمله من تشهير و تبعات تشويه أشخاص و عائلات لسنين طويلة. لا شيء يمنع مقاضاة المذنبين في حق المجموعة الوطنية بالقضاء العادل.. و الرئيس تكلم في مناسبتين على القضاء الذي لا بد أن يتحمّل مسؤوليته.. و هو فعلا لم يتحمّل.. هل هناك سبب واحد في عدم معاملة القضاة المذنبين بنفس طريقة رجال الأعمال المذنبين؟
هو مشروع ظالم مثل ظلم قضاء التعليمات.
و هو مشروع لن ينجح إلا في تأجيج صراعات جهوية و إجتماعية لن تنفع المجموعة الوطنية في شيء.
لن يستمع الرئيس إلى نصح النّاصحين و لا ندري إن صمت وزراء الحكومة الذين يكتسبون قدرا من العقلانية أمام هذا المشروع الشعبوي و غير القانوني و الكلّ يدرك أنه لن يكون قابلا للتطبيق على أرض الواقع إلا بوسائل الأنظمة المستبدة.
ها هي كلمة نسوقها أولا لكي لا يقال أننا لم نتكلم و ثانيا للإصداح برأينا المخالف بالرّغم من مناخ الإرهاب الفكري لمناصري الرئيس و ثالثا لضرب موعد لأفشل و أخطر إجراء في دولة ستصبح مارقة أكثر فأكثر.