في الحقيقة هذا المصطلح هو من أكثر مُصطلحات الإقتصاد السّياسي المُثيرة للإستقطاب وللإختلاف بين رجال الإقتصاد وذلك لعدّة أسباب وأهمُّها البعد الإيديولوجي.
أن تكون مع أو ضدّ التقشّف هو تقريبًا إحالة على الإيديولوجيّة أو المدرسة الإقتصاديّة التي تنتمي إليها. فالمُنادون بالتّقشّف في كلّ الحالات وفي كل الوضعيّات هم عادةً من أتباع مدرسة "إقتصاد المياه العذبة" (freshwater economics) أمّا فيما يخُصّ أولئك المُنادون بالتقشّف في حالات مُعيّنة فقط (فكر يعتمد عل الكينيزيانيزم (Keynesian economics) فهُم تقريبًا دائمًا ينتمون لمدرسة "إقتصاد المياه المالحة" (saltwater economics).
إستعمال وصف المياه العذبة أو المالحة يعود لكون أغلب جامعات الإقتصاد التي تنادي بالفكرة الأولى توجد في مدن أمريكيّة مُطِلّة على أو قريبة من البحيرات الكبرى وأهمّ هذه الجامعات هي جامعة شيكاقو (Chicago University). أمّا فيما يخُصّ الجامعات التي تتبنّى الفكرة الثانية فهي أغلبُها موجود في السّاحل الشرقي للولايات المُتّحدة الأمريكيّة وأهمّها جامعة (MIT).
جامعات "المياه العذبة" تُدَرِّس نظريّات إقتصاديّة تتبنّى الرأسماليّة المُتوحّشة التي تعتبر أن الحجم المِثالي للدّولة هو أن لا تكون هناك دولة أصلاً. يعني هم يعتبرون أن أي شيء تقوم به الدّولة هو بالضّرورة يُعيق ويُعرقل الآداء الأَمثل للإقتصاد. إذن فلا يجب على الدّولة أن تُنفق أبدًا أموال أكثر من مداخيل الضرائب. أو بمعنى آخر لا يجب أبدًا على الدّولة التدايُن وخلق عجز في الميزانيّة لأنّهم يرون أنّ تراكم العجز من سنة إلى أخرى، والذي هو يساوي الدّين العام، يعني بالضّرورة إرتفاع الضرائب في المُستقبل لتسديد ذلك الدّين. أشهر مُنظّري هذه المدرسة هو ميلتون فريدمان (Milton Friedman).
أمّا فيما يخُصّ جامعات "المياه المالحة" فهي تتبنّى فكر رجل الإقتصاد البريطاني جون ماينارد كاينز (John Maynard Keynes). هذا الفكر يقول إن للدّولة دور مِحوري وحيوي في تنشيط و تطوير و مُراقبة و تعديل الإقتصاد عبر الإنفاق العام و خاصّة عند الأزمات. فالدّولة عليها أن تتقشّف وأن تُنقِص من عجز ميزانيتها، وتُخفِّض بالتّالي من دُيونها، في فَترات الإزدهار لتخزين "طاقة" أو موارد لتُنفِقها في أوقات الأزمات.
لأنه عند فترات الإنكماش الإقتصادي يَنقُص الإستثمار الخاص وعندها على الدولة تعويضُهُ بزيادة الإنفاق العام لتحفيز الطّلب الكُلّي (aggregated demand) والذي بدوره يُحفّز الإقتصاد. الإنفاق الحُكومي يعني خلق عجز في الميزانيّة ومِمّا يتولّد عنه ديون. وعكس المدرسة الفكريّة الأولى التي ترى في التداين العام شرّ مُطلق، فإنّ إقتصاديّو المياه المالحة يرون أن في هذه الحالة التداين العامّ محمود لأنّه يُساهم في تحفيز وإنتشال الإقتصاد. رّبّما أشهر رجل إقتصاد معاصر ينتمي لهذه المدرسة هو Paul Krugman (جائزة نوبل للإقتصاد سنة 2008( .
هذا تقريبًا تلخيص للخلفيات الفكريّة التي تُحيط بمُصطلح التّقشّف (والإنفاق العام) وتُبيّن تبايُن وجهات النّظر حولَهُ.
عادةً أولُ شيءٍ تبدأ الدّولة بتخفيضه عند إعتماد سياسة التّقشّف هو الإنقاص من النفقات القابلة للضّغط (compressible expenditure) مثل الإستثمار ومن ثّمّة البحث عن حُلول للتّخفيض في النفقات الغير قابلة للضّغظ (incompressible expenditure) مثل الأجور.
من يريد معرفة دلالات إستعمال سعيّد لمُصطلح "التقشّف" في كلمات فأنا أقول لهُ إن المقصود بهذا هو بالخُصوص الشّعب الكريم لأن الدّولة هي أصلاً تتّبِع سياسة تقشّف منذ سنوات. وبصورة أدقّ، المقصود هو:
1- صندوق الدّعم الذي من المُرجّح إلغاؤه كُلّيًا أو جزئيًّا.
2- إحتمال الزّيادة في الضّريبة على دخل الأفراد و الشّركات بعنوان مُساهمات إستثنائيّة.
3- في وضعيّات قُصوى، التخفيض في الأجور.
4- تجميد المطالب النقابيّة.
5- توقّف إستيراد بعض المواد الغير أساسيّة أو زيادة كبيرة في رسومها الجُمركيّة.
6- إصدار البنك المركزي لمناشير تحدّ من الإقتراض الإستهلاكي.
7- صفر تعينات جديدة في الوظيفة العُموميّة و عدم تعويض الموظّفين المُحالين على التّقاعد.
8- تقليص إنفاق الدّولة إلى الحدّ الأدنى.
9- بيع الشّركات العُموميّة التي تُشكّل عبئًا كبيرًا على ميزانيّة الدّولة هذا مطلب من مطالب ال(FMI).
هذا تقريبّا المقصود بالتّقشّف.