خطير ما أعلن عليه رئيس الجمهورية من قرار تكليف وزيرة العدل بإعداد قانون للمجلس الأعلى للقضاء. قرار سن قانون للمجلس الأعلى للقضاء مع وجود المجلس كهيكل دستوري قائم طبق الباب الخامس من الدستور وطبق القانون المتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء يعني في مدلوله الأول والمباشر أن المجلس ملغى و لم يعد موجودا بالنسبة إلى رئيس الجمهورية وهو من الناحية السياسية إهانة صريحة للمجلس بكل مكوناته وليس للقضاة فقط.
ويبدو أن تجنب تسمية القرار باعتباره حلا المجلس الأعلى للقضاء على علاقة بالوقع السيئ والخطير لمثل هذا القرار محليا ولكلفته الدولية الباهظة على تونس في علاقة باستقلال القضاء واستقلال مؤسساته من التدخل التشريعي الانفرادي في شانه من السلطة التنفيذية في غياب سلطة تشريعية وفي غياب محكمة دستورية تصنع التوازن بشان إي تشريعات تتعلق بالقضاء وتمس بالضرورة من استقلاله كسلطة في مخالفة للمبادئ والضمانات الدستورية علما وان المساس بالتشريعات التي تهم القضاء كسلطة لا يمكن أن تتخذ على عجل في ظرف الاستثناء دون نقاش عمومي عميق ودون رقابة مؤسسية تمكن كل التونسيين وكل مكونات المجتمع المدني بالخصوص من فهم اي تغييرات تمس هذه السلطة والوعي بتداعياتها .
على هياكل القضاة الحذر من الموافقة على هذه الخطوة، ولكن حذار خاصة من مجرد التمسك بالتشريك في عملية خطيرة على مصير استقلال القضاء لان هذه الخطوة تعني اولا مخالفة صريحة للدستور الذي لا يزال الرئيس متمسكا به وثانيا لأنه بدا جليا للجميع أن رئيس الجمهورية لا يؤمن بالمنهج التشاركي.
فقد اخذ قراره وباغت به الجميع دون إعلام المجلس ودون أن يعيره آي وزن او اعتبار . لم يرجع إليه قبل اتخاذ قراره الذي فاجأ الجميع قضاة ورأيا عاما حتى على سبيل الاستشارة الشكلية كما انه لم يستقبل ايا هيكل من هياكل التمثيلية للقضاة بعد 25 جويلية 2021 ولا قبله من اجل الحوار حول المسالة القضائية والإصلاح القضائي رغم أن تصريحاته لا تخلو ابدا من التوجه مباشره في خطبه الى القضاة أو من الحديث عن القضاء .
رئيس الجمهورية غير مهتم إلا بتطبيق مشروعه السياسي الذي ينذر بهيمنة مطلقة على القضاء وخلق مناخات الخضوع إلى الأوامر والتبعية .وهو ليس مشغولا بغير بسط النفوذ على المجلس الأعلى للقضاء بالتصرف في تركيبة المجلس وفي أعضائه أو على الأقل في عدد منهم كل ذلك قي غياب أية إمكانية للطعن.. فالقضاء ملغى الإداري والدستوري.
فهل أن إصلاح القضاء و محاربة الفساد بصفته أمرا أكيدا يقتضي تحميل المجلس الأعلى للقضاء مسؤوليته في المحاسبة والمسالة من خلال فتح جميع الملفات بما في ذلك المتعلقة بأعضائه تحت الرقابة المجتمعية التي أتت نتائجها في ملفات كبار القضاة أم يقود إلى تمكين رئيس الجمهورية من صلاحيات ونفوذ المجلس بلا رقيب ولا حسيب.