المحجوز لي.. وأنا صاحب المنشار..

مسألة الأرقام التي تنشرها وزارة الداخلية على إثر كل وقفة احتجاجية ننظمها – نحن "مواطنون ضد الانقلاب" - كانت تترك في نفسي حيرة كبيرة حول مصداقيتها وطريقتها في تعداد المواطنين- المحتجين.. أضف الى ذلك مزايدات الخصوم التي كانت تنال من حضورنا المكثف بتقزيمه إلى عدد قليل من الأنفار.

لذلك ذهب بي الخيال هذه المرة إن أتولى عدّ المشاركين بطريقة لا تترك مجالا للشك في عددهم الحقيقي.. نعم عدّ المشاركين.. أليس عددهم لا يتجاوز المئات، بل العشرات !!؟؟ من أجل ذلك اشتريت ليلتها من المكتبة كراسا.. ووضعته في محفظتي صباح الأحد ومعه قصيدتي: "انقلاب انقلاب" التي كنت أنوي أن أقراها على الجماهير.. وقصدت طريقي إلى ساحة البرلمان بباردو … وفي برنامجي أن أتولّى تسجيل حضور كل المشاركين من خلال تسجيل أسمائهم والحصول على إمضاءاتهم .. ومن يدري فقد يتحول ذلك الكراس إلى أحد سجلات الشرف الذي قد يجد طريقه إلى متحف البرلمان بعد سقوط الانقلاب كوثيقة تاريخية تؤثث ذاكرة الأجيال القادمة … حتى لا ننسى…

بل إن الخيال أخذني إلى أفق أرحب تتحول فيه إمضاءات المشاركين إلى أحد أهم أشكال الاحتجاجات المتحضرة التي كان يمكن أن تؤهلنا لتسجيل حضورنا في كتاب "قينيس" للأرقام القياسية، في محاولة لتنويع أشكال النضال وكسب مزيد من تضامن أحرار العالم واحترامهم وتقديرهم لما نلاقيه من معاناة في مقارعة الانقلاب .

إلا أنه أثناء مروري عبر نقطة التفتيش.. وفي مشهد غير مسبوق، مشهد يذكرنا بما نراه في فلسطين المحتلة، ويذكرنا بطريقة الصهاينة في التعامل مع أصحاب الحق والأرض والشرعية … مشهد يضعنا في علاقة جديدة مع سلطة الانقلاب، هي علاقة المحتل بأصحاب الحق… فاجأني أحد أعوان الأمن بالعثور في محفظتي على بعض أعواد اللوح وعلى المنشار- وهي العبارة التي استعملها عون الأمن نفسه في المرة الثانية عندما دخلت من جديد من مدخل الممر نفسه ودعاني بصاحب المنشار - ونظر إليّ وكأنه وجد كنزا.. لم أصدق أنه يتحدث بجدية .. والحال أن الأمر كما هو مبين في الصورة لا يتعلق بمنشار، ولكن بـجزء منscie à métaux

لذلك يهمّني أن أسجل أني أنا هو صاحب المنشار وأني أحد أعضاء "المبادرة الديمقراطية" وأحد نشطاء "مواطنون ضد الانقلاب".. كما يهمّني أن أسجّل أيضا أني أستاذ مساعد في القانون العام، وحاصل على الدكتوراه وعلى التأهيل الجامعي في العلوم السياسية، وأني أزيد على قيس سعيد - لتقريب الصورة - بأكثر من رتبة في سلم الترتيب الجامعي. وأسجّل كذلك أن كل سنوات التدريس التي قضيتها في مختلف المؤسسات الجامعية عبر جغرافية الوطن، إنما قضيتها في تدريس القانون الدستوري والحقوق والحريات والفكر السياسي والمالية العمومية والتنظيم الإداري والانتقال الديمقراطي، وأن أطروحتي منشورة ومقالاتي منشورة في أكثر من مجلة أجنبية محكّمة، وأن محاضراتي الأكاديمية فاقت الخمسين، وأني اليوم أجد نفسي في حرج لا يطاق إن أنا صمتّ على الانقلاب، فما بالك بمساندته.

أضف الى ذلك أنى أنتمي الى جيل لم يكن يكتفي بمجرد التعليم للعثور على العمل: فقد أورثني أبي إلى جانب التعليم مهنة النجارة.. ولذلك فمن المألوف جدا أن يكون بحوزتي في السيارة أو المحفظة إحدى أدوات العمل التي كنت أحتاجها من حين إلى آخر في قضاء بعض الحاجات على غرار scie الذي احتجته في وقت سابق وبقي في المحفظة.

هذا ولابد من الاشارة إلى ما في عملية التفتيش من اعتداء صارخ على الحرمة الجسدية بوصفها حقا من حقوق الانسان وان ثمة معايير دولية لا بد من احترامها في هذا الشأن.

وفي ما يلي قصيدتي: "انقلاب.. انقلاب" إلى كل الأحرار.. ولئن لم أحظ بفرصة عرضها في ساحة الشرف، فإني أعرضها مجددا على صفحتي ..

انقلاب.. انقلاب


بالدبابة أو بلا دبابة..
انقلاب
بالعسكر أو بالبوليس..
انقلاب
باستئذان الفرنسي
أو بإبلاغ الأمريكان..
انقلاب
بالهام السماء
أو وسوسات الشيطان
انقلاب
وأنت جالس في قرطاج
أو آت من الثكنات..
انقلاب
بادعاء "التصحيح"،
أو باعتماد الاستثناء:
"الخطر الداهم أو الجاثم"
أو "إنقاذ البلاد"..
انقلاب
فسيّان أن يكون في 25 جويلية
أو يكون في 7 نوفمبر:
فقد صار "الزين" قيسا
وتحول "بن علي" إلى سعيّد..
وانقلب "الحر الدستوري"
إلى "الدستوري الحر"..
ويبقى الانقلاب انقلابا
وانها لأيام الغوالي
تكثر الغول ويختفي النجاشي
ويتيه الصحابة في فلاة الصحاري
وظّفْ ما شئت من النساء في الحكومات،
أو نظّم ما شئت من حوار المنصات ،
وتغنِّ بملاحمك في مكافحة الفساد..
والقي علينا ما لديك
من اسلحة الدمار
واعلن نبوءاتك على القبائل
فلعلك تكون موسى
وشعبك شعب الله المختار
وكن ما شئت من جنود السماء
نبيا أو مجنونا أو وليا
أو ساحرا أو جانّا،
فانقلابك كيفما قلّبتَه انقلاب:
على الدستور انقلاب،
على البرلمان انقلاب،
على الحريات انقلاب،
على المواطنة انقلاب،
على الديمقراطية انقلاب،
على مسار التاريخ انقلاب،
على القَسَم والعهود انقلاب،
على وطن العشاق وانين الارض إنقلاب..
وإنه الفرز،
والقول ما قلت ايها المنقلب
والباطل ما اتيت أيها المنفلت
فاجعل قبلتك ناحية "الرزّ"..
ودعك منّا، فنحن أهل مروءة وعزّ.
وتحصّن بمحور الشر
وخلّ سبيلنا نعتزّ بربّ العزّة..
الله.. ربنا المقتدر..
ألمْ تقل:
للأحزاب، لا
للجمعيات، لا
للانتخابات، لا
للنقابات، لا
للبلديات، لا
لا ولا..!!؟؟
ألمْ تصرّح بأنّك
على موعد مع التاريخ،
وبأنك ستصنع التاريخ،
وبأنك ستختصر التاريخ..!!؟؟
ألمْ تنادِ بـ"التأسيس الجديد"،
و"الفكر السياسي الجديد"،
و"بناء المستقبل الجديد"..!!؟؟
فلماذا
- أيا رجلا ليس كالرجال -
تتلهّى بأحلام الأطفال،
وتعبث بعقول ربات الحجال!!؟؟
ما كان "عليّ" على ضلال،
وما كان "الحسين" بالمداهن الدجال..
لقد اقترفتَ شيئا فريّا،
وجئتنا بالأمر العجاب،
إذ هرعتَ إلى حل البرلمان..
أيا واقفا على التاريخ، تعلّم:
فإن بالعقل والذكاء تعلو الأمم..
وبالبؤس والجهل تسقط الهمم..
وإن الدول تبنى
حجرا حجرا
بالصبر والعزم..
والاناة والحلم..
لا بالتخريب والهدم..
والاحقاد والعدم
وإن إرادة الشعوب
هي الأساس..
لا اللجان الشعبية،
والانفراد بالرأي،
والحكم على القياس..

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات