رئيس الأمر الواقع… حاكم قرطاج

اعتزام قيس سعيّد إصدار أمر لإلغاء الاحتفال بموعد 14 جانفي عيدا للثورة واعتباره انقلابا عليها، يمثل حلقة أخرى من حلقات تقسيمه للتونسيين وضرب وحدتهم والانقلاب على دستور 27 جانفي 2014، دستور ثورة الحرية والكرامة، الذي أصبح في حكم المنعدم عمليّا Caduc على قول الزعيم الراحل ياسر عرفات عن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية فيما يتعلق بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل.

فقد ورد في توطئة الدستور المنقلب عليه ما نصه:

"... تحقيقا لأهداف ثورة الحرية والكرامة، ثورة 17 ديسمبر 2010-14 جانفي 2011 ...".

موعد 14 جانفي 2011 مثّل لحظة فارقة كسر فيها آلاف التونسيين حاجز الخوف وتجمعوا أمام وزارة الداخلية الرمز الأول للترهيب في المخيال الجماعي، مطالبين بإسقاط النظام، وهو ما نتج عنه الإطاحة بالرئيس الراحل زين العابدين بن علي والتخلص من عصابة الطرابلسية التي عاثت فسادا في البلاد.

تلك اللحظة الثورية التاريخية التي يسعى قيس سعيّد لتغييبها طمسا لتخاذله بتغيّبه عنها، وهو الذي لا تربطه أية علاقة بأي نضال وطني أو حراك من أجل الديمقراطية، بما يفسر عقدته تجاهها وحقده عليها؛ جسدت انتصارا لنضالات الحرية والتضحيات التي سبقتها، وفتحت الباب مشرعا أمام تونس لتصنع الأمل وتبني مسارا ديمقراطيا حقيقيا نجحت في التقدم فيه ببطئ فيه رغم كل العثرات.

تونس تحتاج رئيسا حكيما يبعث الأمل في مواطنيه ويشحذ هممهم للعمل في إطار مشاريع وطنية واضحة وواقعية، وليس بالشعارات والأوهام..

رئيس يكون لديه من الرفعة وسماحة النفس ما يجعله يوحّد التونسيين ولا يفرّق بينهم ويزرع الألفة والتحابب بينهم، وليس كتلة من العُقد التي تنفث أحقاده في من يخالفه الرأي منهم..

رئيس جمهوري ملتزم بدستور البلاد وقوانينها، يصلح المؤسسات ويقوّي البناء ولا يخرّب..

رئيس الأمر الواقع حاكم قرطاج، بانقلابه على الدستور، وتصريحاته المتشنجة التي تثير الفتنة وتزرع الفرقة بين التونسيين، وقراراته التي بصدد جر البلاد إلى الهاوية والعزلة الدولية، فضلا عن سعيه للزج بمؤسستنا العسكرية الوطنية في معاركه الدونكيشوطية الضارة بالوطن وإخراجه غير اللائق لقادتها الكبار خلال اجتماعه بهم وتوظيفه لبعض القضاة العسكريين لمحاكمة منتقديه والزج بهم في السجن، أصبح في تقديري فاقدا للشرعية الأخلاقية والدستورية بما يوجب عزله ومحاكمته.

حاكم قرطاج هو الخطر الأكبر على تونس

لا أخفيكم أني كنت من المدافعين بحماسة عن قيس سعيّد، اعتقادا مني في صدقه وحبه للبلاد ورغبته في النهوض بها وتحريرها من الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة التي أمعنت فيها تمعشا وتخريبا..

لكن خاب فيه ظني، لأن ما ظننته ماء زُلالا يروي ظمأ العطشى لم يكن أكثر من وهم و"سرابِ بقيعةٍ يحسبه الظمآن ماء"..

اكتشفت أنه شخص مخادع، أغواه شبق السلطة ببهرجها ونفوذ الحُكم فحوّله أو لعلّه أظهره على حقيقته كمتعطش لحب السيطرة والتسلط..

بعد أن أمعن في تعطيل البرلمان وترذيله، وهو المرذل بطبعه بفعل بعض من فيه، ليلغيه ويستولي بشكل مطلق على سلطاته؛ ها هو الآن يسعى للعب الدور نفسه مع السلطة القضائية مستغلا مشاكل هيكلية فيها عطلت مصالح الناس، ليثير نقمتهم عليها ويمهد لتركيعها وجعلها خادمة لسلطانه المطلق وسط تهليل الحمقى والأغبياء.

حاكم قرطاج الانقلابي الذي فقد شرعيته الدستورية ولا ينصت لغير هواه، هو في تقديري الخطر الأكبر على تونس. ويفوق ما يقودها له من دمار بشعبويته ومَكره وخداعه، كل الخراب الذي شهدته على يد المنظومة سيئة الذكر التي يزعم محاربتها..

أحيّي الاتحاد العام التونسي للشغل وأمينه العام نور الدين الطبوبي، وأدعو كل أحرار الوطن لدعم مبادرة "الخيار الثالث" التي يعتزم اقتراحها.. خيار تونس الحرة والمتضامنة والديمقراطية.."

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات