بعد الحملة الأولى من قرارات الإقامة الجبرية التي تسلطت على عدد من الأشخاص « بوه على خوه » وما شابها من خروقات في القانون و ما اكتنفها من غموض والتي تم التراجع عنها دون أن يعلم احد إلى يوم الناس هذا ما كانت حقيقة تهديد أولئك الأشخاص للأمن العام أو للنظام العام بما فرض اتخاذ تلك التدابير ضدهم ، انطلقت ليلة رأس السنة الجديدة موجة ثانية من تلك الإجراءات شملت هذه المرة وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري ومسؤولا سابقا في وزارة الداخلية .
لن نخوض ضمن هذه السطور في دستورية الأمر عدد 50 لسنة 1978 و لا في علوية المبادئ الدستورية والمواثيق الدولية التي لم تعد تعني شيئا إلى كثير من السياسيين والى أصحاب المهن القانونية (يا خيبة المسعى !) ، سنكتفي بالتعرض إلى ما دون الدستور والمواثيق الدولية أي ما يقتضيه القانون الذي تدعي وزارة الداخلية أنها تستند اليه.
إنه لمن الجدير بالذكر ان القانون هو ما توضحه وما تدققه المحاكم ضمن النزاعات التي تعرض عليها بخصوص تطبيق النصوص التشريعية. وغني عن البيان أن المحكمة الإدارية صاحبة الاختصاص وبمناسبة الطعون التي قدمت إليها في قرارات الإقامة الجبرية قد سبق لها إن قضت بإيقاف تنفيذها لمخالفتها للشرعية ولامتناع وزارة الداخلية عن تقديم ما يبرر اتخاذها لذلك الإجراء او تقديم ما يفيد خطورة نشاط المعني بالإقامة الجبرية أو لعدم احترام الشروط الشكلية ومنها بالأساس إلزامية إعلام المعني بالقرار الكتابي المعلل المتضمن لوضعه تحت الإقامة الجبرية وتحديد مفعول القرار زمنيا وتعيين مكان تنفيذه ( كان ذلك قبل التفاف الرئيس الأول للمحكمة الإدارية على هذا الاتجاه الراسخ للمحكمة بعد 25جولية ) كما قضت المحكمة بإلغاء عدد من تلك القرارات في الأصل وفي نطاق قضايا أخرى لتجاوز السلطة قبل 25 جويلية لمخالفتها للحق في التنقل وما يرتبط به من الحقوق الأساسية الأخرى كالحق في العمل وفي السلامة الجسدية ….. ولمخالفتها وللدستور والمواثيق الدولية
وبناء على ذلك فإن إيقاف وزير العدل الأسبق نور الدين البحيري باستعمال القوة ووضعه في مكان مجهول دون إعلام مسبق ودون قرار كتابي معلل لوضعه قيد الإقامة الجبرية وفي غياب قرار قضائي ودون مرور عبر السلطة القضائية وكذلك الشأن بالنسبة للمسؤول الامني السابق ومنع أي معلومة على الهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب بخصوص « الشخصين اللذين وقع تداول خبر احتجازهما صباح 31 /12 /2021/ ووضعهما قيد الإقامة الجبرية حال انه من صلاحياتها زيارة كل أماكن الاحتجاز التي تخضع آو يمكن أن تخضع للدولة التونسية أو أقيمت بموافقتها » مثلما أكدت الهيئة في بيانها الصادر بنفس التاريخ هي ممارسات تقع خارج دائرة القانون وهي لكل هذا مرفوضة دون قيد أو شرط دون « نعم ولكن » لأن مثل هذا المنزلق هو من المؤشرات التي تنبئ بوضع كل هياكل الدولة خارج إطار القانون وتهدد بالتراجع عن حقوق كل التونسيات وكل التونسيين ووضعها قيد التعسف والاعتباط.
أخيرا حذار من هذا الانحراف الخطير بالسلطة.