إذا كانت العشرية الفارطة سوداء، فإن العشرية القادمة ستكون أشد قتامة في حال تواصل الوضع وميزان القوى كما هو عليه.
في العشرية الماضية، كانت الحكومات تنفذ سياسة تقشف ونوعا من الإصلاح الهيكلي غير المعلن، لكنها اضطرت تحت ضغط الحركات الاجتماعية والشبابية ومنظمات المجتمع المدني وإتحاد الشغل إلى تقديم تنازلات مهمة لصالح الطبقات الوسطى والشعبية، ولو في شكل محاولات لشراء السلم الاجتماعي والمحافظة على شعرة معاوية الطبقية.
والأهم، أنه الحكومات السابقة عجزت منذ سنة 2013 على تطبيق وصفة صندوق النقد الدولي النيوليبرالية التي تسميها بالإصلاحات.
صحيح أن العشرية السابقة لم تكن عشرية الديمقراطية المثالية، لكن انفتاح الفضاء العام مكن الشباب والمعطلين والفئات الهشة في المجتمع من الاحتجاج والتعبير والانتظام بمستوى تأثير غير مسبوق في تاريخنا منذ الإستقلال.
صحيح أن كل هذه القوى لم تنجح في بلورة بديل لوصفة الإصلاحات يكون اجتماعيا وعقلانيا وقابلا للتنفيذ، وأنها لم تتجاوز في ذلك مستوى الصد والمعارضة والمطلبية، إلا أن مستوى الانتظام والوعي وتطورهما كانا يدفعان نحو بلورة ذلك البديل.
أما اليوم، فإن حالة الاستفراد بالسلطة، وانغلاق فضاءات التعبير و الاحتجاج والتأثير، وطرح وثيقة الإصلاحات المسربة ونية نقاشها وإقرارها مع صندوق النقد الدولي دون نقاش عمومي لا مع الإتحاد ولا الحركات الاجتماعية أو مجمل الفاعلين في تونس، يؤشر على أن تحالف الرئيس مع إدارة التكنوقراط سوف يمضي في تطبيق وصفة الإصلاحات بصيغتها النيوليبرالية رغم أنف الجميع.
وقد يكون ذلك بالحديد والنار، وسيكون ذلك إن تقرر فعلا المضي في الإصلاحات. نحن أمام خطر قرارات عظمى أهم من تغيير الدستور والنظام السياسي بأشواط، بل ستغير وجه المجتمع كما نعرفه إلى الأبد، سيقررها رئيس مع مجموعة صغيرة من التكنوقراط في غرف مظلمة رغم أنف الأغلبية.