موظف في وزارة، bac+7 وربع قرن من الخبرة، كفاءة مهنية كبيرة، أجره الشهري الصافي 2250 دينار، سيارة صغيرة قديمة ذات 4 خيول و180 لترا شهريا من البنزين، هو صاحب المكتب الذي فيه الضوء في الطابق الثالث حتى العاشرة ليلا، لأن رئيسه السيد الوزير استعجله لتقديم تقرير في الغد يختزل ملفا من 400 صفحة في 10 دقائق إلى مجلس الوزراء، نظيره في القطاع الخاص لا يتحرك معك أصلا بأقل من 15 ألف دينار شهريا،
الموظف إياه، يعترضه عساس الوزارة بعد العاشرة ليلا ويقدم له رجلا بائسا: حالة اجتماعية لأب لثلاثة أطفال ووالدين مسنين. فقط، عنده جواز سياقة عادي، يرسله موظفا إلى إحدى المؤسسات نصف العمومية التي تتبع الوزارة، فيتم تشغيله،
يتغير الوزير فيتغير رجال الوزارة، يتم تجميد موظفنا أسابيع محسوبا على الوزير المقال، ثم يتم إرساله، بحكم الرتبة الإدارية، مديرا إلى إحدى المؤسسات التابعة للوزارة، يطلب منه المسارعة بإمضاء دفع أجور عمال المؤسسة، يقع أمامه اسم الرجل البائس الذي أصبح سائقا مرسما، أجره الشهري بعد الترسيم 4 آلاف دينار دون اعتبار المنافع (تذاكر الأكل ذات 12 د، علوش العيد، منح العودة المدرسية والمصيف...)، السائق يفوق الوزير في الأجر بـ 200 دينار والمدير العام بـ 1750 دينار، موظفون عند الدولة نفسها.
إطار موظف في مؤسسة عمومية إدارية، ارتقى بقوانين الوظيفة العمومية الحمقاء إلى أن أصبح مديرا عاما بأجر 2250 دينارا مع 600 دينار من المنافع الشهرية منها سيارة متهالكة ذات 9 خيول، اقترف أخطاء تصرف كثيرة، تحمل البعض أخطاءه وكرهه كثيرون، تم تجميده لأشهر مع ضمان أجره ثم تم "التخلص منه" بتعيينه على مؤسسة مصادرة، أصبح أجره 9 آلاف دينار شهريا، مع سيارة باسات جديدة و380 لترا من البنزين ومنافع جمة،
في وزارة تحتكم على ميزانية ضخمة، يحصل السيد الوزير على 3800 دينار وسيارتين وبلا بلا بلا، مدير الديوان: 3200 دينار وبلا بلا بلا، المديرون العامون على 2250 دينار وقليل من البلا بلا بلا، أما مدير عام إحدى الشركات الخاضعة لسلطة المديرين العامين للوزارة فيحصل على: 17 ألف دينار شهريا وهو يحسد زملاء له يحصلون على 30 ألف دينار شهريا، حين تقرر أن يغادر الإدارة العامة للشركة نصف العمومية، حصل على 370 ألف دينار منحة مغادرة، وثمة مدير عام لشركة نصف عمومية حصل على 104 آلاف دينار منحة خروج نهائي لكي يصبح عضو حكومة، الغريب أنه بعد حل الوزارة عاد إلى المؤسسة إياها بطلب منه، لأن أجرها الشهري يساوي أجر نصف أعضاء الحكومة، لكنه لم يعد إلى الشركة ما أخذه باسم الخروج النهائي،
بين قوسين: الصحفي الذي هو إطار، يمكن أن يقضى حياته المهنية في الشارع والمظاهرات والكوراث ويفقد علاقته الطبيعية بزوجته وأبنائه ويضحي بالحياة اليومية للإنسان، في القطاع العام، يمكن أن يخرج إلى التقاعد بصفة صحفي، وضع اجتماعي مريح مقارنة بمخاطر القطاع الخاص في مجتمع لا يعطي للكفاءة أي تقدير،
وعليه: قبل أن تفكروا في التخفيض في كتلة أجور الوظيفة العمومية، فكروا في وضع منطق للانتداب حسب الحاجة، ثم للارتقاء الوظيفي في مؤسسات الدولة، والأجر حسب الجهد والكفاءة وحوكمة الثروات البشرية، غير ذلك لن يبقى لكم فيها غير النطيحة وما ترك السبع ولن تجدوا أحدا يقاتل لأجلها، فلا معنى أن يحصل سائق على أكثر من أجر وزير، ولا معنى لأن يحصل موظف عمومي بلا أي تميز مهني على 370 ألف دينار منحة مغادرة، فقط لأن أحدا ما أرسله هناك، كثيرا دون أي تميز مهني،