محرّضا على التظاهر اليوم من أجل حلّه

قيس سعيّد يصرّح من وزارة الداخليّة: "فليعتبر المجلس الأعلى للقضاء نفسه في عداد الماضي منذ هذه اللحظة"..!! في فيديو مفاجى نشرته رئاسة الجمهورية في وقت متأخّر من ليلة السبت 05 فيفري 2022.. ظهر رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد في اجتماع بوزير الداخلية والقيادات الأمنية مساء اليوم بمقرّ وزارة الداخلية موجّها كلمة للشعب التونسي.. ومحرّضا إيّاه على التظاهر غدا في ذكرى اغتيال شكري بلعيد.. زاعما بأنّ القضاء طمس الحقيقة داعيا للكشف عنها.. ومستغلاّ الفرصة أساسا بوضوح في ما يظهر أنّه السبب الحقيقي والوحيد لخطاب الليلة لمهاجمة القضاة والقضاء بشراسة.. موجّها لهما كلّ الاتهامات بالظلم والفساد، والرشوة، والمحاباة، والتلاعب.. محرّضا صراحة على التظاهر غدا من أجل حلّ المجلس الأعلى للقضاء..

هكذا يدعم سعيّد بوضوح دعوات الكثير من المجموعات التابعة له على مواقع التواصل الاجتماعي التي تروّج منذ أيام لاستغلال فرصة 6 فيفري لتوجيه التحركات الاحتجاجية لكشف الحقيقة حول اغتيال بلعيد.. إلى التظاهر أمام مقرّات المحاكم للمطالبة بحلّ المجلس الأعلى للقضاء..

وهو ما يكشف بوضوح بأنّ تلك المجموعات تعمل فعلا على تنفيذ أجندا قيس سعيّد ضدّ السلطة القضائيّة.. وهناك تنسيق مسبق بينهما..

يعكس هذا السيناريو محاولة الرئيس سعيّد إظهار حلّ المجلس الأعلى للقضاء كمطلب شعبي.. وأنّه استجاب أخيرا لذلك المطلب..

تماما كما تمّ التنسيق لمظاهرات يوم 25 جويلية 2021 ضدّ الحكومة والأحزاب وللمطالبة بحلّ البرلمان.. ليمهّدوا لخروج رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد ليلا من أجل إعلان التدابير الاستثنائية بتعلّة "الشعب يريد" وإنقاذ البلاد.. وأنّه استجاب للمطالب الشعبية..

رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد كال شتّى الاتهامات للمجلس الأعلى للقضاء.. وقال بأنه لن يتركه يعمل في الظلام مستقبلا.. معبّرا عن قراره بحلّه وإن كان دون استعمال الكلمة صراحة.. مبيّنا اعتزامه إصدار مرسوم جديد في ما يخصّ المجلس..

والأغرب أنّ قيس سعيّد اختار شنّ هجومه ضدّ القضاء واتّهام القضاة بأبشع التهم.. وأعلن عمليّا عن حلّ المجلس الأعلى للقضاء.. وهو وسط وزارة الداخلية وبين القيادات الأمنيّة...!!

خطاب سعيّد بدا مرتجلا.. وبدا تصويره غير محترف كما جرت به العادة في كلماته من لدن مصالح رئاسة الجمهوريّة.. ويعكس شكله وسياقه وتوقيته بأنّه لم يكن مبرمجا.. وقد يكون لجأ إليه الرئيس في آخر وقت على عجل.. لكنّ الغرض منه كان واضحا وهو دعوة أنصاره للخروج بكثافة يوم الأحد من أجل التظاهر ورفع طلب وحيد هو حلّ المجلس الأعلى للقضاء.. وهدفه غالبا هو إظهار أنّ قراره كان مطلبا شعبيا.. ويحظى بتأييد ورغبة واسعة في الشارع التونسي..

وذلك أوّلا.. في محاولة لتعديل الكفّة مع خصومه بتونس.. والرافضين لقراره الخطير..

وثانيا.. وخاصّة.. لتبرير قراره بحلّ المجلس اتّجاه الخارج والدول الأجنبية التي تضغط عليه منذ مدّة لعدم الإقدام على تلك الخطوة.. وارجاع البلاد لمسارها الديمقراطي.. والعمل على عودة المؤسّسات الدستورية في أقرب أجل ممكن.. وتحاصره ماليّا لأجل الاستجابة لطلباتها في الخصوص..

ردّا على ذلك صرّح قيس سعيد في ما يُعتبر رسالة للخارج: "وليسمع التونسيّون والتونسيّات.. بل وليسمع الخارج كلّه والعالم كلّه.. أنّنا من دعاة تطبيق القانون على الجميع على السواء.. هم يتحدّثون عن ديكتاتورية مزعومة ويتحدّثون عن سلطة لا تتقيّد بالقانون..

نتقيّد بالقانون.. واحترمت المقامات.. وسأتقيّد أكثر بالقانون لأنّ حسيبي هو الله.. وحسيبي هو الشعب.. ولن أخاف في الحقّ لومة لائم.."

هكذا.. فجأة وعلى حين غرّة.. تذكّر قيس سعيّد بأنّ من حقّ التونسيّين التظاهر.. وبأنّ الانتشار الوبائي لعدوى كورونا تراجع.. وقال أنّه يمكن للمواطنين التظاهر.. بل دعاهم بوضوح.. وحرّضهم بقوّة والحاح على التظاهر يوم الأحد.. رغم تحدّثه عن صدور قرار مخالف لذلك عن وزارة الداخلية قبل ساعات.. متناسيا أيضا بأنّه أمر قوّات الأمن قبل ثلاثة أسابيع بمنع "التونسيّين الذين من حقّهم التظاهر" من الاحتجاج.. وانتقدهم وهاجمهم في خطاباته.. وتمّ استعمال العنف ضدّهم والقنابل المسيّلة للدموع ومدافع المياه واعتقال عدد كبير منهم.. وضرب وهرسلة سياسيين وإعلاميّين إضافة إلى المواطنين...!!!

لكنّها سياسة المكيالين لدى قيس سعيّد.. ودليل إضافيّ أنّه ليس رجل المبادئ الذي يزعمه.. ولكنّه رجل الحسابات الانتهازيّة الضيّقة.. والمصالح السياسويّة الشخصيّة.. وما عدا ذلك مجرّد شعارات كلاميّة جوفاء غير صادقة…!!!

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات