يبدو أن المجلس الأعلى للقضاء على وشك السقوط فهو على حد تعبير قيس سعيد ليلة امس 5 فيفري 2022 من وزارة الداخلية أصبح جزءا من الماضي.
ومن شبه الأكيد في غمرة هذه التطورات الدراماتيكية التي تعيشها البلاد أن الحديث لن يجري في المستقبل حول المجلس الأعلى للقضاء اذا ما اتخد الرئيس قرار حله رسميا كما اعلم عن ذلك في منتصف الليل من قلب الجهاز الأمني في تزامن مع إعلان أنصاره عن نيتهم التوجه اليوم 6 فيفري لمقر المجلس من اجل المطالبة بحله في تشجيع صريح لا غبار عليه على التظاهر رغم قرار مجلس الوزراء واللجنة العلمية بمنع أي شكل من التجمع لدواعي صحية بل ان الحديث سيجري من هنا فصاعدا حول الوضع القادم للسلطة القضائية في ظل الأزمة الخطيرة التي تعيشها البلاد.
لا شك أننا اليوم أمام إرادة من قبل رئيس الجمهورية لواد التجربة الوليدة على مساوئها وعلاتها للسير نحو استقلالية القضاء فعليا. إننا اليوم مقبلون على تكرار ما شهدته فترة بن علي، بل اسوا من ذلك من تركيع وتوظيف للقضاء أوصلا البلاد إلى الخراب.
لا ندري على وجه التحديد ما يخبئه الرئيس للقضاء والبلاد ولكن من شبه الأكيد أن اتخاذ قرار حل المجلس الآن يرتبط بموقف المجلس من الصلح الجزائي فمرسومه الآن جاهز وهو يحتاج إلى مباركة من القضاة ومساندة لا يستطيع بدونها ان يحقق شيئا من أهدافه .وهو لهذا سيحتاج في ذلك الى « مجلس » جديد يبارك ويزكي ويوافق هذا من جهة ومن جهة أخرى جاء القرار قبل شهر أو أكثر بقليل من شروع المجلس في التهيؤ للحركة الدورية للقضاة المقبلة 2022 – 2023 وهو ما يعني غلق الباب نهائيا أمام المجلس للقيام بإحدى مهماته الأساسية في تسمية القضاة ونقلتهم من خلال مقررات الحركة .وهنا يكمن اختيار تاريخ حل المجلس بعيدا عن أوهام إحياء ذكرى الشهيد شكري بلعيد .
بماذا سيعوض الرئيس المجلس ؟. يتحدث الرئيس عن وضع انتقالي يحدده مرسوم قبل إرساء مجلس أعلى للقضاء جديد يقوم على مقتضيات الدستور الجديد الذي يعده،ما الاستشارة الالكترونية ثم بعدها الاستفتاء غير شكلية للبحث عن مشروعية تصبغ على قرارات مسبقة ما قبلية كما يحدث عادة في دولة الاستبداد ، والذي سوف يحمل بلا شك تصوراته للنظام السياسي وللسلط الثلاث وعلاقتها بعضها ببعض . فماذا يعني هذا الوضع الانتقالي؟ . من المرجح أن الرئيس سيلتجئ إلى تكوين « لجنة » قد يطلق عليها اسم « مجلس مؤقت » أو أية تسمية أخرى مخادعة . وطبعا سيسمي هو نفسه أعضاءها وتشرف عليها رئاسة الجمهورية لتقوم مقام المجلس الأعلى للقضاء الذي تربص به الرئيس على مدى اسابيع شتما واتهاما وتقريعا وتهديدا وحرمانا من المنح المخولة لأعضائه أولا ثم ليجهز عليه في الأخير تماما مثلما فعل مع مجلس النواب.
لا احد يدري على أي أساس ووفق أي معيار سيقع اختيار هذه اللجنة ولا من سيكون من أعضائها من القضاة او من غيرهم. ولكن من الأكيد انها ستكون لجنة تابعة وانها ستمثل سيفا مسلولا على رقاب القضاة تشيع جوا من الخوف والتوجس سيهمين على القطاع بكامله . ولا شك أيضا انه وسط هذا الجو من التوجس سوف تتهيأ كل الظروف لإخضاع كامل الجسم القضائي لمقررات السلطة التنفيذية.
كل ذلك وسط مساندة الأجهزة لكل مبادرات الرئيس فليس من الصدفة ولا من الاعتباطي أن يعلن الرئيس عن قراراته من وزارة الداخلية مع مغازلة القوى التي تسمي نفسها تقدمية والتي تحولت إلى احد معاول الاستبداد يضرب بها خصومه القليلين من أولئك الذين وقفوا ضد مقررات 25 جويلية وأكثرهم من النهضويين .
نحن مقبلون بلا شك على شكل من تبعية القضاء للسلطة التنفيذية غير مسبوقة فحتى في عهد بن علي كان النظام يحافظ على أدنى المظاهر التي تحفظ للمجلس الذي يتراسه هو نفسه بمعية وزير العدل شكلية الانتخاب الداخلي وصورة المجلس الذي يجتمع ويتداول ويقرر.
هكذا تسير البلاد بشمل دراماتيكي أكثر فأكثر نحو تجميع كل للسلطات في يد شخص واحد وسط معارضة ضعيفة وموالاة لا أحد يعرف حجمها الحقيقي ولامبالاة الأغلبية التي لا يعنيها من أمر من المجلس شيئا فلاهي تعرف عنه شيئا غير ما يروجه الاعلام عنه ولاهي مشغولة بهمه وسط هموم الجيوب التي تعاني من الخواء والأيدي التي تتألم من الحاجة.