العديد سينتفض عند قراءة العنوان... بعضهم بتعلة السيادة والبعض الاخر خوفا من توظيف أطراف دولية للقضية لحسابات سياسية داخلية…
لكن دعنا من هذا ولنقر بالحقائق التالية:
اولا: ايا كانت مهنية المحكمة المتعهدة بالقضية واستقلاليتها فإن منسوب التشكيك في القضاء وما وضعه فريق الدفاع من شروط وتحفظات لحد الان سيشكك في مصداقية اي حكم يصدر ما لم يطل حزبا سياسيا محددا..وعدد من قياداته.. بصرف النظر عن صحة أو أو عدم صحة ما ينسب لهم..
ثانيا: إذا تغير مسار القضية نحو شمول بعض قيادات حزب النهضة.. ستبقى ظلال من الشك تخيم على عدالة المحاكمة بالنظر إلى المناخ السياسي الحالي والعداء المستعر ببن راس السلطة وحركة النهضة.. وما يعيشه القضاء من ضغط سياسي في اتجاه توظيفه... و التشكيك في استقلاليته…
والنتيجة ان هذه الجريمة النكراء لن تهدأ النفوس حولها وسيبقى المجتمع التونسي ممزقا بسببها ما لم يقل فيها القضاء العادل والمستقل و المهني قوله…
الوضع الحالي في تونس وما يشهده من تجاذبات عنيفة و حادة وخطيرة وشك في معظم مؤسسات الدولة عززه مسار 25 جويلية، أصبح يقترب من حالات مماثلة مثل محاكمة قتلة رفيق الحريري والتي التجأ اللبنانيون فيها إلى تعيين محكمة دولية خاصة للبنان.. وقبلها دول أخرى مثل كمبوديا و أفريقيا الوسطى...والسينغال في محاكمة الرئيس التشادي الاسبق حسين حبري (توفى بكوفيد في السجن).
طبعا لسنا هنا بصدد إسقاط تجارب الآخرين للاختلاف الكبير بين نوعية الصراع هنا وهناك لكن ليقيننا ان الجبهة الداخلية في تونس بلغت من الهون والضعف والتردي بما شل المؤسسات ومنها القضاء...وافقد الجميع الثقة في الجميع..
وفي الحالات المذكورة لم يقع اللجوء إلى محاكم جنائية دولية سواء وفق نظام روما TPI أو محاكم دولية جنائية متخصصة (روندا... يوغسلافيا السابقة سيراليون).. بل تم اللجوء إلى القضاء الوطني َلكن برعاية دولية...(الأمم المتحدة)...
وتتمثل الرعاية الدولية في المساعدة الفنية التقنية وفي لعب دور المراقب المحايد لمعاينة اي محاولات للتأثير على المحكمة…
لقد بات القضاء التونسي مرتهنا للقضايا السياسية أو لنقل لتسييس القضايا.. ومن القضاة من خير "نكران العدالة"وترك الملفات في ادراجها لعدم التورط في أي موقف سياسي ومن القضاة من انغمس في ذلك وهو اليوم في البلاتوهات يقدم الولاء و الطاعة ومنهم من حاول أن يقوم بدوره تقنيا ومهنيا.. لكنه وجد نفسه في كل مرة في قفص الاتهام طالما انه لم يرض هذا الطرف أو ذاك…
لذلك أرى ان آلتعويل اليوم على الدور الدولي في انهاء ملف قضية الشهيد شكري بلعيد عبر اسناد تقني و مراقبة نشطة من الأمم المتحدة (ليس بالضرورة عبر احداث محكمة متخصصة، بل يمكن الحفاظ على جهة الاختصاص الحالي )..
وهذا الدور الدولي يحرص على ما يلي:
- أن يكون للعامل الأجنبي الدولي دور في مراقبة نزاهة الإجراءات وتحييد اي تأثير سياسي على القضاة.
- ضمان السرعة في انهاء المحاكمة وفق معايير المحاكمة العادلة…
- وضع القضاة التونسيين في اريحية باعتبارهم سيعملون تحت رعاية دولية أو ضامن دولي يجنبهم التشكيك في تعاطيهم مع الملف…
- تركيز الأمم المتحدة لمكتب قانوني دولي يتكون من خبراء تعينهم الأمم المتحدة (قضاة دوليون) يقتصر دورهم على الاسناد الفني للقضاة التونسيين لاغير...خاصة من القضاة المتمرسين بالجريمة السياسية (انقلترا جنوب أفريقيا أمريكا اللاتينية آسيا)..
السؤال الأصعب من هو المؤهل للمضي في هذا المسار والمصادقة عليه في ظل "حوار الطرشان" والقطيعة بين الجميع؟!!
اعتقد انه على رئيس الدولة ان يقوم بهذا الدور باعتباره رئيس الدبلوماسية التونسية ليطلب مساعدة الأمم المتحدة... لإحاطة القضية بقدر أعلى من الهدوء... لأن في قضية الشهيد شكري بلعيد... مستقبل الثورة وربما تونس…
"واللي تقصلو (الأمم المتحدة)َوذنو ما يتسماش عكروت"…