بعد أن أيقنوا أن رئيس الجمهورية لا يفهم الوضع القضائي ولا يعرف الخرائط الحقيقية للفساد القضائي وقضاء التعليمات، وبعد أن اطمأنوا إلى ان الرئيس يُصدق كل رواياتهم وينفذ كل أجنداتهم طالما أنها تحظى بالدعاية الإعلامية المحترفة وتلقى هوى في نفسه وتمكنه من التخلص من منتقديه وتبرر إجراءاته إزاء القضاء...هاهم يمرون إلى مرحلة متقدمة من التضليل حيث الزيف الكامل والقلب الكلي للحقائق وتزوير التاريخ وتحويل القضاة الفاسدين والمفسدين إلى ضحايا وتحويل المناضلين الذين قضوا أعمارهم في الدفاع عن قضاء نزيه ومحايد إلى قضاة تعليمات…
لم يبق لهم إلا أن يقولوا أن "محرز بوقا" أو "لطفي الدواس" أو "بشير التكاري" هو من وجه الرسالة التاريخية لبن علي دفاعا عن استقلال القضاء، وأن المرحوم مختار اليحياوي هو من حكم على محمد عبو بالسجن مدة ثلاث سنوات ومنصف من أجل مقال رأي…
وسيقولون ذلك يوما ما طالما أنهم يستخفّون ب"ذكاء الدولة" ويستهينون بمدارك الحاكمين، وطالما أن رأس السلطة يقصف جميع الأهداف التي يحددونها له دون معرفة أو فهم أو إدراك...فإن كانت هناك معرفة وجب أن نتساءل: من يوظّف من؟ وهل الرئاسة تحرضهم على القضاء المستقل أم أنهم هم من يحرضونها؟ أم هو التحالف وتبادل المنافع السياسية والمصالح؟
في كل الأحوال…نحن إزاء مستوى جديد من السقوط الأخلاقي الذي لا تستطيع أن تبرره أكبر الرهانات…