لقد أصاب الاستاذ قيس سعيد فعلا كبد الحقيقة اذ اكد ان سلطة البلاد الحاكمة بأمره الواقع ليست في حالة تيه و ان ليس في طريقها علامة قف .غير ان ما لا يستطيع اقناعنا به بعد شهر الانقلاب الثامن هو اعتبار 25 جويلية / 22سبتمبر كما يزعم انصاره " حركة تصحيحية " لمواجهة الفساد و تصحيح "الديمقراطية المزيفة " و " مسار الثورة " لتلبية مطالب " الشعب الذي يريد " انجازات اقتصادية و اجتماعية بعد ان " نكلت به " العشرية السوداء كما يسميها بجرة قلم خصوم "لحظة الانفجار الثوري " في 17 ديسمبر 2010 .
يتبين الان بما لا يدع مجالا للشك ان سلطة الانقلاب "الحقيقية " و "العميقة " تعرف تماما ما تريد و تسير بلا توقف نحو ارساء الحكم الفردي التسلطي الذي يفسخ بهذا الرئيس ( او غيره ) مسار الانتقال نحو دولة الحرية و العدل الذي دشنته اول ثورات الربيع العربي و الذي لم يكن الحل امام تعثره هو الانقلاب عليه بالقوة القاهرة للدولة و العبث بدستوره و حل مؤسساته بالدبابة و المحاكمات العسكرية و احتكار كل السلطات في يد فرد او طغمة لا تملك رؤية في الاصلاح السياسي او الاقتصادي الا شعارات الشعبوية الخاوية التي تتزايد عليها الفاشيات المتنوعة المختلفة معها فقط في ايقاع المسارعة بتصفية الديمقراطية و قتل الحرية و اغلاق المجال السياسي نهائيا .
على امتداد اشهر سبعة تدخل تونس شهرها الثامن تحت حكم الانقلاب وهي على ابواب الخراب الاقتصادي و الفوضى الاجتماعية ولا يملك قيس سعيد غير خطاباته و مجازاته واساطير الاشباح التي يحدثنا عن "تامرها عليه و على الشعب" لترفع الاسعار و تخفي الطعام وتسرق " اموال الشعب " و ارضه وثرواته وتمارس " الخيانة " الوطنية مع الاجانب لمنعه من انفاذ " مقارباته الجديدة " و " افكاره غير المسبوقة " ليملأ الارض عدلا بعد ان ملئت جورا و ليتحمل مسؤوليته " امام الله و التاريخ و الشعب " .
شهر ثامن تدخل فيه البلاد وشعبها رحلة التيه والجوع والخوف والعزلة في اجواء من العبث بمؤسسات الدولة والمونولوغات المقرفة تحت حكم "الخطيب المصقع " وفريق مسؤوليه القادمين من ارشيفات " القديم " او من المكاتب المهجورة في الادارة الكسولة الصامتة او من ثنايا " الشوارع الشعبوية "من النكرات و انصاف المتعلمين وصنائع العالم الافتراضي الغامض و المشبوه .
في المقابل تتصرف "اشباح اسطورية فعلا" بأدوات الدولة الصلبة لتحكم قبضة حديدية على بلد يتداول فيه على السجون و المنافي كل الخصوم السياسيين للسيد قيس سعيد عبر قضاء عسكري نشيط وسط صمت فاضح لمجتمع مدني جنيني تناسل على امتداد عشر سنوات و تم تعديل جيناته المقاومة سابقا للاستبداد عبر ترهيبه احيانا او ترغيبه غالبا بتخليصه من الخصم الايديولوجي عبر الاشتغال المحكم على الاستقطاب السمج مع حركة النهضة التي تحولت الى شماعة مريحة لكل المساندين العضويين او الوظيفيين او النقديين لهذا الانقلاب المركب من واجهة سياسية طيعة و حلقة عميقة خفية نائمة في مفاصل دولة وطنية منذ عقود لم تتوقف عن التآمر على مسار الحرية و عجزت عن تفكيكها في عشرية الارتباك طبقة سياسية جديدة بلا برامج ولا رؤى .
الانقلاب " الحقيقي " ليس تائها بالفعل .انه يعرف ما يريد . ونحن نعرف فعلا ما يريد فعله بالحرية والانعتاق وحلم بناء دولة العدل و المواطنة .غير ان ما لا يعرفه الانقلاب الحقيقي وحلقته الصلبة و وظيفيوه ان " الله و التاريخ والشعب " لهم حتمياتهم التي ستتحرك " حين تأتي اللحظة " و تستفيق النخب الحية في البلاد لإنقاذ الوطن من هذا الخليط الهجين لشعبوية رثة تقاطعت مع فاشية كامنة ووظيفية راكعة للمستبدين باستمرار . قف انتهى .