كثير من أصدقائي هنا، يعتقدون أن الحزب الدستور الحر هو المستقبل القريب لتونس، اعتمادا على صور بعض الاجتماعات أو توسع التغطية الإعلامية أو حتى سبر آراء صديقنا الفكه الطريف، بعضهم يكتبها بأسف خوفا من الانتقال من "الشعبوية إلى الفاشية" وكثيرون من باب الشماتة في عدوهم الإيديولوجي الذي فشلوا في هزمه في الانتخابات منذ 11 عاما، لكن الحقيقة التي أعرفها بحكم 34 عاما من احتراف مهنة الصحافة أن أقل من 10% من الشعب التونسي يهتم بالعمل السياسي وبمن سينتخب، هذا إن حدثت انتخابات أصلا، أن المعطيات الموضوعية ترسلنا إلى ما بعد الاستحقاق الأصلي لـ 2024 بعام ونصف في أقل تقدير،
ومن باب الاحتياط، قمت بصياغة سيناريو أن يحكمنا شخص فاشي بأكثر من 40% من ال، 10% من الناخبين، كما يريد صديقنا الفكه متاع سبر الآراء في الانتخابات في ظل ما هو متوقع من نقص في التزويد بالمواد الأساسية وارتفاع فاحش في أسعارها، والنتيجة أسوأ من خيالات جورج أورويل في رواية 1984، حيث يمكن لأي طاغية تحويل رهاب الجائحة الاقتصادية ونقص العجين والمواد الأساسية والوقود وربما الكهرباء والماء إلى الوشاية مقابل الغذاء وصناعة خطاب كراهية يستثمر في الجوع والبطالة لتحويلها إلى عصارة مساندة مليشوية للسلطة القائمة في مواجهة قطيع من الخوف وهذا حدث كثيرا، تتعدى كل ما اكتشفته البشرية في القرن العشرين،
لأنه لا أحد من الفاشيات الحديثة، من أوروبا إلى أمريكا اللاتينية وصولا إلى آسيا ومرورا بإفريقيا إلى اليوم فكرت لحظة في حل المشكل، بل عملت على الاستثمار في بقائه لأنه مبرر وجودها، ينتهي السيناريو بهجوم السلطة الفاشية على كل من ينقد أو يفكر أو يعارض أو يخرج عن الصف والنظام العام وإعادة توظيف الدين والتاريخ والجهويات والهوية وفلسطين في المعركة ويتحول الجنوب التونسي إلى محتشدات عقاب على أساس الوشاية، إلى أن يعاد اختراع مفهوم المواطنة والعيش المشترك والمسؤولية على يد جيل معذب بالتعسف وبالمفاهيم المضللة للسلطة كما يتعذب الذهب الخام بالنار،
لكنه مجرد سيناريو خيالي لشخص مصاب برهاب السلطة، لم يشف أبدا من ثلاث سنوات سجنا بين زمني بورقيبة وبن علي، تغير الأشخاص وبقيت عقلية الحكم بالأزمة وبصناعة الأعداء بدل صناعة السياسات، أنا أعرف هذه القصة،
واقعيا، إن حدثت انتخابات نزيهة سواء بالقوانين المجمدة أو بمراسيم وهذا احتمال مهم، فهي ستكون مفتوحة على كل الاحتمالات، وأخطرها العزوف العام، حيث يمكن لأقل من 10% من الناخبين رهن مصير البلد بيد فاشي تصنعه الإشاعات ومواقع التواصل الاجتماعي ومؤسسات خاصة للتحكم في الرأي العام مثل كامبريدج أناليتيكا في ظل الخيار الفاشل لرئاسة الدولة والحكومة في تونس وفي ظل عزوف عن الانتخاب خصوصا من الطبقات المثقفة،
وكثير من علماء المدرسة القديمة في علوم الاجتماع منذ نظريات الفرنسي داوود إميل دوركايم إلى اليوم، يرون أن الشعبوية ثم الفاشية ليست سيناريو سيئا ولا خياليا، بل مراحل موجعة لكنها ضرورية من أجل إعادة ترتيب الوضع الاجتماعي والسياسي على قواعد حقيقية لإنهاء فوضى المفاهيم والحكم بالأكاذيب العامة والوعود الزائفة والإبحار على موجات الإحباط والخلط بين المفاهيم،
وبعض أنصار هذا الرأي يرددون مقولة كانت رائجة في السجون التونسية: "لا حنان على الأزكام"، جمع زكيم، مصاب بزكام الدماغ، غشيم، شعبوي غير مثقف، يقاتل من أجل كيلو سميد، يستحق أن يحكمه غشيم مثله، ويقول صديقي اللدود نور الدين العلوي إن العظم الهش يستق أن يكسر، ومن مقدمات تفشي هذا الخطاب الانتخابي هو غياب فضاءات حوار حقيقي ومقارعة الرأي بالرأي لما قبل كسر العظم الاجتماعي والإعداد الصناعي الجيد للحوارات الصحفية لتصبح نادرة أو في اتجاه واحد: خدمة الأزمة لإنتاج حكم الأزمة.
عموما: من مقدمات الحكم الشعبوي أو الفاشي أنه يصنع محاوريه مسبقا بإعلاميي الفاشية، لا يقبل المواجهة أبدا، إلا بالبوليسية والغاز والعنف والسجون والمحاكمات، وهو قادم، أكاد أسمع دوي الأحذية العسكرية فيه وضجيج محركات الشاحنات تنقل الناس إلى محتشدات الجنوب ودموع الأمهات التي تعرف وحدها أوجاع نفي الأبناء، تعرف سر تحويل قفة سجن أو منفى إلى قصيد إنساني كوني مغطى بمحرمة الرأس، سأكون سعيدا لو كت واهما، لو كان هذا مجرد سيناريو، ولم يكن تحذيرا لمن اكتوى بنيران الطغيان منذ خمسة وثلاثين عاما،
بسبب تدمير سلسلة القيادة والإنتاج منذ زمن لم يعد أحد يذكره،
نور الدين الطبوبي: "أحنا في تواصل مع رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية وماناش في عداوة"، صحة لك سي نور الدين، نحن الصحفيون مثلا: في حالة قطيعة مع رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية ونتوقع إضرابا مكتئبا ولا نعرف شيئا عن شيء وليس لنا أحد نتصل به عندما نريد أن نفهم شيئا منذ أن أصبحت الحكومة كما رئاسة الجمهورية بلا مكلف بالإعلام، وكل شيء يحدث لنا صدفة أو في آخر لحظة وأحيانا بطرق متضاربة،
والشيء الوحيد القابل للتسويق هو أن تفتح لهم قمع الرأس لكي يصبوا فيه ما يريدون: قالوا الاستشارة الوطنية باهية، باهية، قالوا الهجمات الليلية على المخازن هي الحل؟ هي الحل، قالوا الديموقراطية كخة وشيء لا يليق بنا؟ طبعا، وكل ما هو مطلوب منك لنيل رضاهم هو أن تجلب مجموعة من شذاذ الآفاق والأفاكين لشتم خصومهم مجانا ومدح من في السلطة في انتظار مقابل،
أما آخر عهدنا بالحوار مع السيد الرئيس أو رئيس الحكومة يعود إلى أزمنة غامضة، كان يمكننا فيها محاصرة الرئيس بالأسئلة حتى إن "فحش علينا" وكان في مقدورنا أن ننتج برامج تنقد مشاريع السلطة، أما في الإعلام العمومي فهي المأساة، ويفترض أنك سمعت بالإضراب العام المتوقع بسبب الإحباط والاكتئاب الناتج عن تدمير سلسلة القيادة والإنتاج منذ زمن لم يعد أحد يذكره، وتعويض الإعلام الصناعي بإعلام هواة الموقع الاجتماعي من الخارجين عن القانون ومخرجي كليبات التيك توك وكرانكة وسائل إعلام البوبالة البذيء ممن يوهمون الناس أنهم يحتكرون الفهم اللدني لأفكار السيد الرئيس في زياراته الليلية وإصدار المراسيم الليلية وفقه الرائد الرسمي،
صحة سيدي الرئيس،