هو مثل من التراث التونسي، يُذكر عادةً في وضع تضخيم حالةِ رفاهيّةٍ ونعيمٍ ترتقي الى ما لا تراه العينُ ولا تسمع عنه الأُذن ولا يمكن حتى تصوُّرُه في الأوقات العاديّة، أو هو كذلك تعبيرٌ عن استكثار نعيمٍ على أحدٍ لم يتعوّد بالانتفاع ممّا يُمكن أن تُقبل به الدُّنيا وتُعطيه من خيراتها ومن محاسن غيره.
والتأمّل في كلمة اقتران الجنّة “بالبريكاجي” -أي بصانع “البريك نفسه” دلالةٌ مهمّةٌ على العلوّ في المقام -بالرّغم أنّ البلد يُنتج القمح الذي هو الغذاء اليومي لكلّ لعُموم النّاس، بل يدُلُّ كذلك علي أنّ الوضع المريح من امتياز وفخامة وسّمو اجتماعي يكاد يكون مستحيلَ المنال لفئة معيّنة من المجتمع حيثُ “البريك” ليس من قوتهم اليومي ولا من عاداتهم ولا من أهدافهم لانّه مقارنةً بالحاجيّات الأساسيّة للطبقة الكادحة ذات الدّخل الادنى، يُعتبر سلعةً فاخرةً (bien de luxe) في حقبة معيّنة من التاريخ.
ومفهوم “السلعة الفاخرة” لا يتحقّق إلاّ عندما تكون قيمتُه الاستخداميّة (valeur d’usage) غيرَ مُعمّمة في المُجتمع، وأنّ استهلاكه يكون بالتالي حِكْرًا على فئة قليلة تنتمي الى طبقة أعلى، تنتفع بالرّيع وتُخضِعُ السّواد الأعظم من النّاس لنفوذها، خدْمةً فيها حسب ما جاء به العُرف وسكنت له الانفس وعرف كلٌّ قدره.
وقد يتغيّر مقام السِّلع من “فاخرة” الى “أساسيّة” كُلّما تعمّم استهلاكُها، أي “قيمتُها الاستخداميّة”، وأصبحت مُتاحةً للجميع وتغيّرت عاداتُ النّاس وتحوّلت أنماط سلوكاتهم الاستهلاكيّة، اضافةً الى عاملٍ آخر لهذا المنحى وهو تطوّر طُرق الانتاج وارتفاع الانتاجيّة والوفرة وعلُوّ متوسّط الدّخل،
كما أنّه كُلّما ارتفع متوسّط الدّخل خارج مسالك القطاع العام وكذلك المسالك الرّسمية المهيكلة، في ظلّ ضعف الدّولة، كُلّما أنبأ ذلك بعدم الحاجة الى الدّولة (دور البورجوازية المحوري في الثورة الفرنسية، تجربة جِلْمة الزراعيّة بالجنوب التونسي،).
ولكن لم يشهد التّاريخ انتقالَ مقامِ سلعةٍ من "أساسيّة” الى “فاخرة” إلاّ زمن الكوارث، أو المآسي، أو عمومًا شدّة البلاء ،أو القحط والغلاء وضيق المعيشة، حيث يُقال “جنّة وفيها بريكاجي” ازدراءً وتعبيرا عن خيبةٍ في زمن ثراء القلّة وفقر الاغلبية، حيث لا يسع للأولى الاّ توجيه الأغلبية نحو تغيير الاوضاع، فكلا الطرفيْن يحتاج الى الآخر…