الله وخاصة الشعب سيسألانك عن امرأة سلبتها قوت يومها واختلست 60 دينارا من مالها

إلى السيد رئيس الجمهورية .. لن يسألك الله عن البغال والحمير، بل سيسألك عن امرأة تبيع الخبز في سوسة فسلبتها الدقيق ونهبت مالها. حكم أحد القضاة يوم الاثنين الماضي بالمحكمة الابتدائية سوسة 2 على امرأة تعيل عائلتها ببيع خبز الطابونة، بدفع 60 دينارا غرامة مالية بتهمة جناحية هي "الاحتكار أوالتداخل في مسالك التوزيع ".

لم نفهم في البداية هل أن الخبر مزحة أم حقيقة إلى أن أكد أحد المحامين الذين دافعوا عن امرأة فقيرة في بهو محكمة سوسة أن القاضي أدانها وغرّمها ماليا. امرأة وجدت نفسها متهمة بالاحتكار أو "التداخل في مسالك التوزيع" وكأنها تملك أسطولا من شاحنات التوزيع ومخازن وشركات مواد غذائية، في حين أنها اشترت كيسا من الدقيق لتصنع خبز الطابونة وتبيعه لإعالة صغارها على غرار مئات النساء المهمشات الفقيرات في تونس.

كثيرا ما يستشهد رئيس الجمهورية قيس سعيد بعمر الفاروق ويكرر على مسامعنا تلك القصة المعروفة عن عمر بن الخطاب التي يقول فيها: سيسألني الله يوم القيامة عن بغلة عثرت في العراق، لماذا لم تصلح لها الطريق يا عمر؟

يريد الرئيس من هذه الحكاية وغيرها من حكايات الفاروق أن يضفي شرعية دينية على رؤيته وأفكاره وأن يتشبّه بعمر الخطاب في العدل والإخلاص للشعب، غير أن حادثة امرأة سوسة تذكرنا أيضا بحكاية لعمر الخطاب نريد أن نذكر الرئيس بتفاصيلها ليعلم ما أبعده وأبعد قضاته وعدله عن عدل عمر.

من المؤكد أنك تعرف -يا سيادة الرئيس- تلك الحكاية، عندما خرج عمر الخطاب يتفقد أحوال الرعية فوجد امرأة تضع الحجارة في القدر لتوهم أطفالها أنها تطبخ لهم الطعام حتى يغالبهم النوم، ولما سألها عن حالها وفعلها وعرف أنها لا تملك قوت صغارها وأنها تخدعهم حتى يناموا، بكى عمر وعاد إلى المخازن وطلب من الحراس أن يحمّل عليه كيسا من الدقيق، فقال له الحارس أعنك أم عليك يا أمير المؤنين؟ فقال عمر بنفس نبرة غضبك يا سيادة الرئيس: بل حمّل عليا .. أتحمل عني أوزاري يوم القيامة؟ وعاد عمر بكيس الدقيق إلى المرأة ولم يعد حتى رآها تطعم أولادها وهم يتضاحكون.

يا سيادة الرئيس .. ربما خطاباتك العاطفية المركزة عن قيم العدل والمساواة وإحقاق الحق تبدو ظاهريا ممتعة وتستهوي الشعب في زمن تعودنا فيه على الظلم والاستبداد لكن أفعالك وأفعال من وليتهم المسؤوليات والقضاء -الذي أرهبته- لا تبدو بتلك المتعة ولا العدل الذي تتدعيه وتقسم أمام الله والتاريخ والشعب أنك ستطبقه. كما أن استشهادك المتكرر بأقوال عمر لا يطابق أفعالك فكم أنت بعيد عن عدل الخطاب.

لا توجد بغلة عثرت في طرق تونس ليسألك الله عنها، لكن الله وخاصة الشعب سيسألانك عن امرأة سلبتها قوت يومها واختلست 60 دينارا من مالها فيما يختلس اللصوص الحقيقيون مقدرات الشعب وثروات الدولة وأنت تردد نفس الخطب المجوجة التي لا فائدة منها، فكلنا نعرف الحكايات وكل منا يرويها بطريقة مختلفة.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات