الاستشارة "الشعبية" لم نعرف حتى اليوم من أعدّها، وما هي كفاءتهم العلمية والفنية أو خبرتهم السياسية والفكرية، ولا نعرف أسماءهم ولا صفاتهم، ولا سبب اختيارهم هم بالذات، وهو ما يعني أن كل ذلك تم بدون أي قدر من الشفافية، أو النزاهة، أو الصراحة، أو الوضوح، وفي سرّيّة مطلقة وفي تكتّم شديد، بعيدا عن الإعلام، بعيدا عن أي أضواء، وهذا معنى أنها أُعدّت في غرفة مظلمة، فغياب الشفافية وغياب النزاهة وغياب الوضوح وفي سرّيّة عن الشعب، هي من الشروط الأساسية للغرف المظلمة. وقد اجتمع ذلك في إعداد هذه الاستشارة. وعندما تجتمع الغرف المظلمة فمن أجل التحيّل والتحايل على الشعب.
إلا أن الشعب التونسي العظيم، بيّن في صمت وبكل سلمية أنه أذكى ممن كانوا في الغرفة المظلمة للاستشارة، فقام بإفشال ما خططوا له، بحيث رفض المشاركة في استشارتهم أكثر من 92% من الناخبين. فهل بعد هذه النسبة دليل على فشلها وفشل خططهم. وإذ سقطت الاستشارة سقوطا حرا، وتبين للجميع في الداخل وفي الخارج، أنها تفتقد إلى المشاركة الشعبية، فقد تصدّع البرنامج كاملا. فإما الاعتراف بذلك أو البناء على أساس هارٍ.
بقي للاستشارة معنى أكيد وهي أنها تشكل عند أصحابها نهاية للديمقراطية بما هي حكم الشعب، حيث:
1- لم تعد الأغلبية هي الأساس للحكم أو للتداول على السلطة، وإنما المهم أن يكون للحاكم مساندون حتى وإن كانوا أقلية، والأهم منهم جميعا والأجدى أن تكون القوة معه.
2- لم تعد الأحزاب هي أساس الحياة السياسية ولا غيرها من الوسائط من جمعيات أو منظمات أو نقابات، حيث لم يقع تشريكها في الاستشارة بأي صيغة من الصيغ، وإنما تمت العملية مباشرة مع الشعب.
وذلك ما يعنيه بكلامه عن "نجاح الاستشارة"، ولا علاقة البتة لهذا "النجاح" الموهوم بكثافة المشاركة الشعبية، وإنما هو على مقاس الأزمان الغابرة عندما لم يكن للشعوب وزن ولا أهمية ولا دور وإنما كانت رعايا ورعاة.
نعم سقطت الاستشارة وكل بناء عليها سيكون من قبيل ما بني على باطل فهو باطل، متصدعا آيلا للسقوط، حتى السقوط.