بموجب الشرف العلمي والواجب الوطني في توضيح الأمر لعموم المواطنين حول السلامة القانونية والدستورية للجلسة المنعقدة لمكتب مجلس نواب الشعب. الرأي القانوني في خصوص جلسة مكتب مجلس نواب الشعب وما انجر عنها من مقررات.
من حيث الشكل:
حيث نص الفصل 58 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب على أنه يعقد مكتب المجلس اجتماعاته بصفة دورية كل يوم خميس وكلما دعت الحاجة إلى ذلك بدعوة من رئيسه أو من ثلث أعضائه. ولا يصح اجتماعه إلا بحضور ثلثي أعضائه، وينعقد صحيحا بعد نصف ساعة على أن لا يقل عدد الحضور عن نصف أعضائه وبحضور رئيسه أو أحد نائبيه.
وحيث توجهت الدعوة الاجتماع من رئيسه وبحضور 10 أعضاء من اصل 13 فإنه تجاوز الثلثين من أعضاءه وهو ما يجعل الجلسة متحصنة بالشرعية الإجرائية لا لبس فيها.
وحيث أن الحالة الوحيدة التي يكون فيها المجلس خارجا عن الشرعية في انعقاده هي أن يكون في حالة الحل المنصوص عليها في الفصل 89 من الدستور و98 المتعلقة بالعجز عن تزكية تشكيلة حكومية مقترحة بالأغلبية المطلقة .
وحيث أن هذا التنصيص غير قائم في واقعة الحال ما يجعل المجلس لا يزال متمتعا بقرينة الشرعية التي تنتهي أما بحله بالموجبات المذكورة في الفصلين المتقدمين أو في حالة الانتخابات وانعقاد المجلس الجديد.
لذلك يتعين التسليم بصحة الانعقاد من حيث الشكل.
من حيث الأصل:
حيث ينص الفصل 80 من الدستور على أن المجلس يبقى في حالة انعقاد دائم. وهو تنصيص دستوري على أن حالة الاستثناء تجعل من المجلس النيابي منعقد بصفة متواصلة وهو تعبير عن أقصى درجات النشاط الاستنائي لا يمكن له فيها الخروج في عطلة .
وحيث أن قرار الرئيس المتعلق بتعليق اختصاصات المجلس النيابي المؤرخ في 25 جويلية 2021 الذي اتخذه على أساس الفصل 80 من الدستور، هو قرار غير ذي موضوع لمخالفته الصريحة للفصل المرتكز عليه .
وحيث أن القرار المذكور باطل شكلا لعدم التنصيص على الإجراء في الفصل المذكور فضلا عن اتخاذه في سياق دستوري يفرض العكس تماما. واذ ورد التنصيص الدستوري في صيغة النهي الإيجابي بأن قدم الصورة المعاكسة للنهي السلبي. وهي الأثر المباشر والفعلي لمنع وقف اشغال البرلمان في حالة الاستثناء وهي حالة الانعقاد الدائم.
وحيث أورد الفصل 80 من الدستور حالة الانعقاد الدائم في سياق يجعلها من أسس حالة الاستثناء وليس فقط ضوابطها. إذ اشفع الموجهات الأصلية في التدابير الاستثنائية بأن البرلمان يبقى في الحالة المنصوص عليها كأداة رقابة ومرافقة التدابير التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تخرج عن النظام الدستوري وضمان أن تتحقق في التدابير تأمين العودة للوضع العادي في اقرب الأجال بوجود العصب الأساسي للنظام الدستوري وهو مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد دائم.
وحيث أن حالة الاستثناء استقر الفقه على تعريفها كونها حالة داخل النظام الدستوري وليست خارجه. وإذ تتطلب إجراءات وقرارات استثنائية فإن هذه القرارات يجب ألا تخرج عن مبدأ الدستورية الذي يفرض تطابق التدابير مع النص الدستوري ومبدأ الشرعية وهي التي تفرض على القرار ألا يخالف القاعدة القانونية التي تعلوه درجة أو أكثر. وفي ذلك ضمانة ألا تتحول حالة الاستثناء إلى فضاء لتوسيع نطاق صلاحيات السلطة التنفيذية فوق الدستور بدون رقابة.
وحيث أن الوضع الذي أوجبه الفصل 80 من الدستور أن يكون المجلس النيابي في وضعية نشاط ولو كان في عطلة. لذلك حصن هذه المؤسسة من الحل فضلا عن منع أي طارئ يحول دون نشاطها بصفة دائمة ومستمرة مثلما ينص على ذلك التنصيص الفرنسي للدستور التونسي session permanente
وحيث اختصاصات رئيس الجمهورية في حالة الاستثناء محدودة بأن يكون الهدف الأساسي التدابير هو تأمين عودة دواليب الدولة للعمل في اسرع الأجال وهو ما يقيم قرينة داحضة لا تقبل اثبات العكس بأنه ليس من صلاحياته تعطيل أو منع عمل أي مؤسسة أخرى من مؤسسات الدولة. وهو ما يجعل مجلس نواب الشعب في حالة انعقاد صحيح لا شائبة في ذلك.
وحيث إنه وفي غياب المحكمة الدستورية استقر الفقه الدستوري على أن تأويل الدستور يكون اصليا authentique عندما تتولاه السلطة التشريعية باعتبارها السلطة التأسيسية الفرعية التي تتولى النظر في تعديل الدستور طبقا للفصل 143 من الدستور وما بعده. فضلا عن ايكال القضاء مهمة ضمان علوية الدستور وليس السلطة التنفيذية.
وحيث أن حالة الاستثناء تتطلب تظافرا بين مؤسسات الدولة لتجاوز الخطر الداهم المهدد لكيان الوطن وأمنه واستقلاله بشكل يعطل السير العادي لدواليب الدولة. وهو ما يجعل اي قرار أو إجراء يعطل عمل أي مؤسسة للدولة خرقا جسيما للدستور وإذا ما رافقه استيلاء على السلطة واستعمال القوة لتفعيل هذا التعطيل نكون أمام وضعية انقلاب على الشرعية الدستورية.
حيث أن التعلل بإجراء التجميد هو تعليل غير ذي أساس قانوني أو دستوري ولا يعتد به لمخالفته الصريحة الدستور وهو ما يجعل هذا التعليل في حكم العدم.
وحيث أن هذه المقررات الخارقة للدستور والتي نفذت بقوة السلاح تجعل كل ما بني عليه باطلا بطلانا مطلقا غير قابل للتصحيح من جهة القرار، موجبا لقيام مسؤولية جزائية على معنى الفصل 72 من المجلة الجزائية المتعلق بجريمة ارتكاب الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة لتوفر أركان هذه الجريمة فيما يعرف بقرارات 25 جويلية وما تبعه من اصدار الأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق بتدابير استثنائية.
وحيث أن الأمر الرئاسي المذكور هو خرق جسيم وواضح للدستور واستيلاء على الصلاحيات المخولة للسلطة التشريعية دون موجب دستوري منصوص عليه في الفصل 70 من الدستور بقوة السلاح والأمر الواقع وهو ما يكمل اركان الانقلاب ويوغل في جريمة تبديل هيئة الدولة ويجعلها من صيغة الجرائم المستمرة.
وحيث بهذه الموجبات يكون مجلس نواب الشعب في وضعية سليمة دستوريا وفيا لما نص عليه الفصل 80 من الدستور مؤولا بالشكل السليم أحكام الفصل المذكور مقابل فقدان لشرعية رئيس الجمهورية لوجوده في وضعية موجبة للعزل.
ولهذه الأسباب فإن جلسة مكتب مجلس نواب الشعب جلسة قانونية ودستورية لا يرتقي لها الشك بأي حال من الأحوال وأن ما يترتب عنها من مقررات وآثار هي مقررات شرعية ووفية للأحكام الدستورية.