بعد ثمانية أشهر من الانقلاب على الدستور، تمكّن أخيرا مجلس نوّاب الشعب في 30 مارس 2022 من عقد جلسة افتراضيّة وصوّت 116 نائبا، أي بالأغلبيّة أي بالأغلبية المطلقة لأعضاء المجلس ( 217 نائبا )، وأُصدر عقب هذا الاجتماع قانونا أساسيا يقضي « بإنهاء العمل بجميع الأوامر الرئاسية والمراسيم الصادرة بداية من تاريخ 25 جويلية 2021. ».
مع التنصيص على دخول هذا القانون وهو القانون عدد 01 لسنة 2022 حيّز التنفيذ منذ لحظة التصويت عليه في الجلسة العامة للبرلمان.
كان هذا القانون بمثابة الصّرخة: ضد قرارات قيس سعيد! كان صدًى لأصوات من تظاهروا أمام مجلس النوّاب يوم 26 جويلية وصدًى لهتافات آلاف الحناجر التي شاركت في الاحتجاجات وانخرطت في الحراك من أجل الديمقراطيّة.
غير إنّ الجهر بها من داخل البرلمان كان له تأثير هامّ حتّى وإن كانت الجلسة البرلمانية افتراضيّة وعن بعد عُقدت خارج أروقة المجلس الذي تم إغلاقه بالمدرّعات العسكرية.
لقد جاء الاجتماع متأخّرا وذلك يعود لضعف القوى السياسية الرافضة للانقلاب على الدستور داخل البرلمان وخارجه، ولكن القانون منح المجلس وزنا جديدا وكشف من جديد عن حقيقة المواقف السياسيّة …داخله وخارجه.
هكذا تمكّن النوّاب المعارضون من إقناع آخرين من اتّخاذ الموقف الوحيد الّذي كان يتوجّب أن يتّخذه أيّ نائب يحترم دستور27 جانفي 2014 والذي طبقًا لأحكامه تمّ انتخاب المجلس النيابي في 2019.
وبالرّغم من أنّ المجلس لا يمتلك أي قوة مادية يمكنه الاستناد إليها لتنفيذ قراراته أو نشر القانون بالرائد الرسمي وفق ما نص عليه القانون عدد 1 لسنة 2022،اعتبر قيس سعيد هذا الاجتماع تهديدا لشرعيته، وقرّر « حلّ البرلمان »ودعا بواسطة وزيرة العدل إلى تحريك الدعوى العمومية ضدهم، بل كيّف التهمة واعتبر الاجتماع مؤامرة وانقلابا.
ماذا كان ردّ حزب العمال؟ هل استغلّ هذه الفرصة للتنديد بالانقلاب؟ لا، أصدر بيانًا يقول فيه « صراع لا مصلحة للشعب فيه!!! ».
منذ اليوم الأوّل اعتبر حزب العمال ما قام به قيس سعيد انقلابا وحذّر من اعتباره تصحيحا للمسار، بل اعتبره انحرافا نحو الاستبداد. هل شارك في المظاهرة أمام مجلس النوّاب يوم 26 جويلية؟ لا، لأنه اعتبر الوقوف في الشارع بجانب النهضة خطّا أحمر كما اعتبر أنّ المعركة هي ضدّ النهضة وقيس سعيّد وكلّ المنظومة.
يرى حزب العمّال أن ما حدث يوم 25 جويلية انقلابا، ولكنّه في نفس الوقت يرفع شعار « لا للعودة لما قبل 25 جويلية »… وهو موقف في غاية التناقض. فإذا كان حزب العمّال لا يقف ضدّ تجميد البرلمان ولا ضدّ حلّه فعن أيّ انقلاب يتحدّث؟ هو انقلاب على ماذا؟
إنّ رفع شعار « لا للعودة لما قبل 25 جويلية » هو شعار معادٍ للديمقراطيّة البرلمانيّة ولخيارات الشّعب. ومن حقّنا أن نتساءل:
– لماذا يدين حزب العمّال جلسة النوّاب الافتراضيّة بالرغم من أنّها تعارض الانقلاب؟ هل يقف حزب العمّال مع الانقلاب؟
– هل أنّ شعار « لا للشعبويّة لا للخوانجيّة لا للدساترة، الديمقراطيّة الشعبيّة هي الحل! » قادر على إنهاء الانقلاب؟ أم أنّه تغيّب عن المعركة وفرار منها عن قصد؟
– هل أنّ حزب العمال ضدّ حقّ الشّعب في برلمان منتخب؟ أيقف ضدّ الديمقراطيّة البرلمانيّة؟
– إذا كان الحزب يرى أنّ شعار « الديمقراطيّة الشعبيّة » هدفه تجاوز الديمقراطية التمثيلية إلى نظام أكثر ديمقراطية فهل يسمح له ذلك بالوقوف ضدّ خيارات الشّعب؟ هل من حقّ حزب العمّال أن يفرض تصوّره للنظام السياسيّ متجاهلًا أنّ قيس سعيد انقلب على برلمان منتخب وعلى خيارات الشّعب؟ ألا يفترض أن يدافع حزب العمّال عن تصّوره أثناء دفاعه عن الديمقراطيّة؟ أم أنّ «الديمقراطيّة الشعبيّة » تتعارض من حيث المبدأ الديمقراطيّ مع الديمقراطيّة التمثيليّة؟
– ماهي القوى السياسيّة والاجتماعيّة التي ترفع شعار « الديمقراطيّة الشعبيّة » اليوم ناهيك عن قدرتها لتجسيده على أرض الواقع؟ ماهي شعبيّة شعار « الديمقراطيّة الشعبيّة »؟ كيف لهذا الشعار أن يكون مخرجًا من الاستبداد وحلاًّ لغلاء الأسعار اليوم؟
– من حقّ حزب العمّال أن يدافع عن مشروعه، ولكن هل يبرّر ذلك تغيّبه عن المعركة وهل يبرّر ذلك إصداره لبيان مخادعٍ للنّاس يصوّر فيه أنّ ما يحدث هو مجرّد صراعٍ على السّلطة وأنّ لا مصلحة للشّعب في الدّفاع عن الديمقراطيّة البرلمانيّة؟
لقد اعتبرنا منذ البداية أنّ موقف حزب العمّال متناقض وفرار من المعركة عن قصد. لقد أصبح هذا التناقض منذ البيان الأخير للحزب أكثر وضوحا . فموقف حزب العمّال اليوم مع الأسف يصبّ في نهاية المطاف في صالح الانقلاب على الدستور، بل يدعمه وان حاول ايهام السذج بعكس ذلك . حزب العمّال يقبل بتجميد الديمقراطيّة البرلمانيّة وإلغائها، ولكنّه يا للسخرية يسمّي ما حدث في 25 جويلية انقلابًا…يحين يعنّ له معارضة قيس سعيد على هواه و وفق طروحاته المتناقضة.