لم يكن قطعا واقع القضاء ورديا في السنوات الأخيرة فمن المعلوم ان تأسيس قضاء مستقل نزيه لا يمكن أن يكفي فيه تركيز مجلس أعلى للقضاء من بعد الثورة بعد ستين سنة من التبعية التامة للقضاء للسلطة التنفيذية.
ولكن الوضع اليوم قاتم مخيف بعد حل المجلس الأعلى للقضاء ونزع الأدنى من ضمانات الاستقلالية المؤسسية التي كان يكفلها للقضاة و بعد تنصيب مجلس تابع كليا لرئيس الجمهورية منفذ لقراراته ولرغباته.
الوضع قاتم مخيف لقضاء يتلقى التعليمات والضغوط المباشرة من قصر قرطاج عبر شريط أنباء الثامنة مساء بحضور وزيرة العدل القاضية على أن تتكفل صفحات السحل الالكتروني الناشطة لحساب الرئيس بباقي مهمة الترهيب لإخضاع القضاة لرغبات الرئيس في مشهدية سياسية سريالية لن تشاهدها في أكثر البلاد تخلفا .
فماذا بقي من ضمانة للبلاد وللعباد في محنة القضاء هذه ؟ لم يبق شيء غير تمسك القضاة باستقلالهم الشخصي وان يكونوا في خدمة القانون وليس في خدمة اي صاحب سلطة مهما اشتدت الضغوط وعظمت فللأداء الفردي والشخصي أيضا قيمته ووقعه في العمل القضائي حماية للحقوق والحريات ولفرض هامش من التوازن بين القضاء والسلطة التنفيذية في ظرف اختلت فيه كل التوازنات وأضحى المجتمع اعزل في مواجهة سلطة الفرد .
ذلك ما سينقذ القضاء والقضاة في هذه الأوقات وفي الأوقات القادمة في انتظار ان يصحو الفاعلون في الشأن العام ممن سمحوا وباركوا من غفوتهم ويستعيدوا وعيهم بفداحة ما حل بالبلاد بضم القضاء للرئيس وللحكومة.