الشكل السياسي الذي يسعى الرئيس قيس سعيد إلى تثبيته مهم، لكن لصالح أي علاقات اجتماعية يسعى إلى تثبيته؟ من يلاحظ المشروع الاقتصادي الذي تشتغل الحكومة على تفعيله، والمكثف في وثيقة الإصلاحات المقترحة على صندوق النقد الدولي، يكتشف أنه مشروع نيوليبرالي خالص.
وهو المشروع الذي فشلت عدة حكومات من قبل في فرضه لأن ميزان القوى السياسية لم يكن في صالحها. لدى البعض أمل قوي وصادق في أن يذهب النزوع التسلطي الحالي لسياسة الرئيس نحو تحويل العلاقات الاجتماعية في تجاه أكثر عدالة ومناصرة للطبقات الشعبية والوسطى.
وقد تكون تلك فعلا نية الرئيس ومقصده السياسي. إلا أن السياسة العامة التي تعمل الحكومة على قدم وساق من أجل تفعيلها توشي بعكس ذلك تماما. وهو ما يوشي أيضا بأن صمود الرئيس أمام رياح معارضته مردها أنه محل توافق واسع بين قوى اجتماعية متناقضة في مصالحها وتطلعاتها، لكنها ترى فيه جميعها محركا مهما لخدمة مصالحها.
ولعل الفئة الاجتماعية التي ترى في الفوضى أكبر مهدد لها، وفي النزوع التسلطي خادما لمصالحها بما يوفره من استقرار وتوازن، هي بورجوازية القطاع البنكي. ففي ماي الفارط، نشرت Standard and Poor تقريرا يستخلص أن إفلاس الدولة في تونس سوف يكلف القطاع البنكي ما يقدر ب7.8 مليار دولار خسائر. كلها ستتبخر من القطاع البنكي بين ليلة وضحاها.
فهل ستخاطر مثل هذه الفئة المهيمنة، على الإقتصاد والإعلام وحتى بعض الأحزاب، بدعم مشروع مضاد للرئيس مما يخلق وضعا أكثر هشاشة قد يصعب السيطرة عليه؟ وفي سبيل ماذا؟ في سبيل الديمقراطية؟ أم أنها ستحاول توجيه مشروع الرئيس وسياساته العامة مستخدمة ثقلها المالي وعلاقاتها ونفوذها في أجهزة الدولة والإدارة والإعلام؟
منتهى ما قد يحققه قيس سعيد، هي حالة من القيصرية السياسية قد تفرض توازنا وقتيا، يعطل حركة النزاعات الاجتماعية من بلوغ مرحلة الصراع المدمر. ومن هنا تأتي مركزية مقولة "استقرار ووحدة الدولة" في خطاب الرئيس. وفي ذلك خدمة لمصالح الفئات المهيمنة التي لا مصلحة لها في الانهيار المالي، والطبقات الوسطى المرتبطة عضويا بالدولة.
أما الطبقات الشعبية، فيمكنها وقتيا أن تستمع بخطاب "نصرة المستضعفين". وقد تحظى ببعض الإجراءات الترقيعية والحمائية المتواضعة. ولا شيء غير ذلك. أما من يعارضون قيس سعيد، فما لم يسترجعوا المقولة الكلاسيكية بأن السياسة هي تكثيف للصراع الاجتماعي، فمصيرهم البكاء والعويل في الصحراء.