توجّهت إلى مخيّم جنين لتغطية جرائم الإحتلال الصّهيوني، وتقديم الخبر اليقين... ولم تكن تدري أنْها ستصبح خبرا بعد حين، خبرا تتداوله وكالات الأنباء في العالم...رحم اللّه شيرين ابو عاقلة فاضت روحها برصاص الإحتلال وهي توثّق جرائمه لآخر نفس في حياتها.
تغييبها عن الصّحافة والحياة بالرّصاص الغادر، نكبة إضافيّة لنكبات فلسطين ويوم أسود في تاريخ الصّحافة الحرّة على خطّ النّار.. كلّ الأماكن في فلسطين ستفتقدها ومثلها يفتقد وستشتاق إليها كثيرا البلدات والمخيّمات والمواجهات ومثلها تشتاق إليه أنّات الجراحي والمهجّرين والعابدين والمنتفضين أمام جدار الفصل العنصري البغيض. كلّ شبر في أرض فلسطين شاهد على صلابتها رغم رقّة، لا تخطئها العين، كما كانت شاهدة على جرائم الإحتلال فيه.
لن يرى العالم مستقبلا شيرين في نشارات الاخبار ولن يسمع صوتها الرقيق بنبرته الحزينة وهي ترصد وتغطّي وتوثّق جرائم الإحتلال صورة وصوتا. بنت القدس وبنت ازقّتها القديمة وبنت كنائسها ومساجدها الحزينة منذ النّكبة 48 وبنت الصّحافة الحرّة، عاشت قرابة ربع قرن على خطّ النّار غير هيّابة لسطوة الإحتلال وبطشه وفاضت روحها وهي بسترة الصّحافة مسجّاة على وجهها تشمّ تراب فلسطين او هي تطبع عليه قبلة وداع.
مشهد اغتيالها لن يزيد الصّحافة الحرّة غير جرأة على فضح الإحتلال والإستبداد ونقل الحقائق كما هي وبغير مايريد المحتل وزمرته من المطبّعين والمستبدّين العرب.
وجه الخطورة في اغتيال ابو عاقلة أنّ الإحتلال، كان ومازال يستهدف بالقتل طلائع الشّعب الفلسطيني ونخبه الذين تذروا حياتهم من أجل نقل مأساة شعبهم وتوثيقها لعالم يري ولا يتكلّم.. كذلك فعل الإحتلال بغسّان كنفاني، الرّوائي والكاتب الصّحفي عام 1972 في حادث تفجير حوّل جسده إلى أشلاء وامتدّت اذرعه لاغتيال رسّام الكاريكاتور ناجي العلي في العاصمة اللّندنيّة عام 1987.
شرين الشّهيدة والشّاهدة على جرائم الإحتلال كرّست حياتها لمهنة الصّحافة وللحقيقة ودفعت حياتها ثمنا لذلك، لأنّها آمنت بعدالة قضيّة شعب، لن ينتهي باغتيال رمز ،كما لم ينته باغتيال من سبق شرين، بل سيزيده ذاك إصرارا على انتزاع حقوقه رغم قسوة الإحتلال وصمت العالم ومكر المطبّعين العرب.
شيرين الملقاة على وجهها تعانق تراب فلسطين دون أن تسمع صوت فريقها الإعلامي وهو يستغيث"إسعاف"، مشهد اغتيالها لن يزيد أصحاب الأرض غير تمسّك بها، يستمدّون من دماء شهدائهم الأمل لمواجهة عسف الإحتلال وتيئيس المطبّعين.