قناعتي حاصلة منذ اكثر من عقديْن، انّ العديد من القضايا المشتركة المهمّة يتمّ تعويمها والمرور جانب جوهرها ممّا يُفضي الى العجز في السيطرة عليها وبالتالي في ايجاد الحلول. والسبب الابرز في ذلك "منهجي بحت".
والامثلة على ذلك عديدة:
- استشهاد “شيرين” المناضلة، عوض ان يُفهم غدرُها من قوات الاحتلال على انّه جُرمٌ صارخٌ في حق الانسانيّة واهانة للشعوب المُستضعفة في العالم، اهتمّ الكثير بحكمها الشرعي ما إذا تصحّ عليها الرحمة ام لا… وهذا من قبيل التبلّد الذهني على معنى شومبيتار .
- حدوث الحرب في اوكرانيا، وهي قضيّة قلّ من فقه "عدالتها" وخبر خفاياها الاستراتجية، عوض ان تدفع بالحوارات والنقاشات حول تأمين البلد غذائيّا وطاقيًّا -على الاقل- وحول أُخذ الاجراءات الاستباقية للتقليص من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية وكذلك الامنية -قبل وقوعها- على غرار العديد من الدول الاقل منّا راسمال بشريًّا وتجربةً، اتّجهت الحوارات والمواقف حول الاصطفاف مع هذا أو ذاك الطرف.
- تجميد البرلمان يوم 25 جويلية دون إلحاقه فورًا بإعلان انتخابات رئاسية وتشريعية سابقة لأوانها، عوضَ ان يُقرأ على انّه استهدافٌ لمؤسسة من مؤسسات الدولة وليس للأشخاص، وانّ الانزلاق نحو الاستهداف تباعًا لمؤسسات أخرى كان منتظَرًا حتميًّا (كما عبّرنا عن ذلك في الابّان)، اتُّخِذ -من قِبل العديد- على انّه ضربة قاضية للاحزاب السياسية، وهو هدف ليس للمواطن المجرّد الذي يدفع الفاتورة ناقةٌ ولا بعير. ولي تفكير خاص ببعض الاساتذة الجامعيين الذين تفننوا في الفتوى القانونية ذات الركائز المنهجية العرجاء، واستغرب من تكوينهم العلمي والتفكيري واللغوي ومجال اختصاصهم. فان لم يكونوا سفسطائيي أثينا القديمة، فانّهم يذكّرون بعلماء البلاط في عصور الانحطاط.
- عدم استدامة الدين العام وانخرام المالية العمومية كان واضحًا احصائيًّا ان لم يكن بالعين المجرّدة منذ عام 2015، فعوض ان تُتّخذ اجراءات معروفة وممكنة لتوسيع الحيّز المالي وللارتقاء بمردود بعض القطاعات الانتاجية وبمردود التجارة الخارجية، اعتكف الحاكم والمحكوم على التقليص من كتلة الاجور والتنديد باستيراد الكاكاوية والبوفريوة من تركيا "الاخوانية".
- الاحداث متسارعة منذ عشر سنوات، ولكن كثيرًا ما يتمّ التعامل معها امّا بأدوات الماضي الذي لن يعود أو بمعزل عمّا تُخفيه كرةُ الثلج. وعلاوةً على الاقوال التي ترتبط بالأحداث المستهلكة لإنتاج صورة كارثية للاقتصاد بدون الاتيان بحلول علمية، فانّه كما كانت تجربة بورقيبة الاقتصادية في الستينات مرجعًا للعديد من المتحدّثين في الشأن الاقتصادي لعام 2022، (من حيث استراتجيات التنمية بعيدة الاجل) وهو فخٌّ منهجي خطر، فانّ تقديرات سعر الصرف ونسبة التضخّم (من حيث السياسات قريبة الاجل) في الميزانية الحالية تمّ اعتمادها على قاعدة الثلاثة أشهر الاخيرة من عام 2021، بمعزل عن الضغوط التضخمية والاجراءات النقدية المُعلن عنها من جيروم باول وكريستينا لاغارد. وهذا خطأ منهجي فادح يُقحم البلاد في متاهات مستعصية، ون بينها انعدام القدرات التفاوضية مع المؤسسات المالية العالمية.
- هذا، بدون الرجوع الى المتاهات المتعلقة بصراع الهوية والنمط الاجتماعي التي غزت العقول الضعيفة وغيرها من المسائل التي دفع بها مرّةً أخرى جامعيون غاب عنهم الجمع واستحضروا الفرد.
والغريب انّ هذه السبل العقيمة في التعاطي مع الشأن العام تجد رواجًا وانتشارا سريعا مثل انتشار النار في الهشيم.
خارج الموضوع، كلّ من،
- يعتبر أنّ نسبة النمو في الثلاثي الأوّل (2.4٪) وانخفاض نسبة البطالة الى 16.3٪، أرقاما دقيقة يُعتدُّ بها كمؤشرات تعكس انتعاشا ناتجًا عن سياسات اقتصادية قامت بها الحكومة الحالية.
- كلّ طرف سياسي يعيد انتاج نفسه بانتقاده وتخوينه لطرف سياسي آخر كأولويّة دائمة في خطابه في هذا الظرف الراهن الذي لا يحتاج الى مزيد من الجذب نحو الأسفل وتسجيل نقاط سياسية في الوقت الاضافي. وهو مورّط مع الصحفي الذي فتح له المجال لذلك وهو يعلم ما سيقوله قبل استدعائه.
فاذا كان هؤلاء السياسيون ليس لهم ما يصرّحون به من جديد ومن حلول للمأزق الذي يمرّ به البلد فلا فائدة في استدعائهم، واذا لم يكن للصحفي إمكانية انتاج المحتوى فلا فائدة في الإبقاء على مثل هذه البرامج. واذا كان الحال كذلك، تصوّروا الكمَّ الهائل من البرامج ومن المنصات الإعلامية التي يجب أن تُغلق تلقائيًّا!
- كلّ من منح ثقته للقائمين على الشأن العام (الحاليين أو من سبقوهم أو من سيلونهم) في إدارة البلاد أو اعتمد على تفاؤله الشخصي تُجاه مستقبل البلد في الاجل القريب والمتوسّط بدون أن يلتزم بالبرهنة العلمية على دوافع ثقته وتفاؤله.
- كلّ من يقدّم نفسه ناطقا باسم السلطة بدون تكليف رسمي. فهو مورّط في الهرطقة، هو والصحفي الذي استدعاه الى المنصّة الإعلامية، وكل من نشر ومن علّق على تصريحاته في برنامج اعلامي آخر وكل من طلب حقّ الرّدّ.