دردشة قانونية بالتوازي مع تأسيس الجمهورية الجديدة خلسة

نصّ الفصل الأوّل من المرسوم عدد 35 لسنة 2022 المؤرّخ في 1 جوان 2022 والمتعلّق بإتمام المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المتعلّق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء على أنّه " لا يمكن الطعن في الأمر الرئاسي المتعلق بإعفاء قاض إلا بعد صدور حكم جزائي بات في الأفعال المنسوبة إليه." ويثير هذا الفصل من وجهة نظري الملاحظات التالية:

أولا من الناحية القانونية والمبدئية: هذا الفصل هو مثال صارخ لما يعتبر في الفكر القانوني وفي فلسفة القانون "القوانين الوقحة"، "les lois scélérates" بالفرنسية و"Bad laws" بالأنقليزية، وهي القوانين الّتي تقرّها وتصدرها السلطة الحاكمة لفرض إجراءات قمعية وقهرية وظالمة تتنافي بداهة مع أبسط مقومات العدل والمنطق التي يجب توفّرها في النصوص القانونية في دولة القانون، بل في دولة تحترم نفسها ولو قليلا.

"Bad laws are the worst sort of tyranny" Edmund Burke

ثانيا من الناحية الفقه قضائية: هذا المنع لا يساوي الحبر الّذي كتب به في فقه قضاء المحكمة الإدارية التونسية الّتي اعتبرت منذ قرارها الصادر بتاريخ 26 نوفمبر 1991 (الطاهر زقروبة / المجلس الأعلى للقضاء) أنّه "من المبادئ المستقرة في فقه القانون الإداري وقضائه أ ّن دعوى الإلغاء هي وسيلة دائمة لتحقيق المشروعية تمتدّ إلى رقابة كل القرارات الإدارية ولو أفصحت الّنصوص الّنافذة بشأنها أّنها " غير قابلة لأيّ طعن" ضرورة أ ّن هذه العبارة لا يفهم منها تحصين هذه القرارات من رقابة قاضي الإلغاء الذي لا تستبعد رقابته إلا بنص صريح العبارة" وهو نفس موقف مجلس الدولة الفرنسي في عديد القرارات وأهمّها قرار "Dame Lamotte, 17 février 1950"

ثالثا من الناحية الواقعية القضائية: هذا التنصيص يهدف بالأساس إلى التحكم في الزمن القضائي وهو موجّه بالأساس للرئيس الأول للمحكمة الإدارية ويضع أمامه عقبة قانونية هامة لرفض مطالب توقيف التنفيذ بما يحول دون عودة القضاة المعفيين إلى مناصبهم في أجل معقول (شهر أو يزيد قليلاً). وهذا هو مربط الفرس لأنّ قيس سعيد في هذه الحالة لن يستطيع تحقيق غاياته الأساسية من اتّخاذ أمر الإعفاء والمتمثّلة في إرهاب القضاة وكسر قدرتهم على التصدّي لتعليماته ولتعليمات الأجهزة التابعة له وفي إفراغ المناصب القضائية المفاتيح (رئاسة محكمة الاستئناف بتونس ووكالتها العامة ووكالة الجهورية في المحاكم الكبرى وقضاة التحقيق بالقطب القضائي والمالي) الّتي ينوي استعمالها في حروبه السياسية المقبلة وفي إسكات كل نفس حر يتجرأ على التصدّي لمشروعه السياسي المتمثل في وضع دستور على المقاس وفي حكم البلاد بالحديد والنار إلى آخر حياته.

رابعًا من الناحية الواقعية القضائية والسياسية: شرع نظام قيس سعيّد بطريقة فجّة في الضغط على الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية من خلال اللقاء الّذي جرى بين هذا الأخير وبين "رئيسة الحكومة" بالأمس والّذي لم يتم الإفصاح عن محتواه وهو لقاء يثير الريبة في هذا الوقت بالذات وإن كان يتعلّق بمسائل أخرى وأعتقد أنّه كان على الرئيس الأوّل للمحكمة الإدارية أن يعتذر عن القبول بهذا اللقاء ورفضه إن لزم الأمر.

كما أعتقد أنّ قيس سعيد لن يتردد في عزل الرئيس الأول للمحكمة الإدارية لو يأذن بإيقاف تنفيذ أمر الإعفاء، وإن كان مستبعدا جدا. ألم يقل مرارًا وتكرارًا في عديد المجالس الوزارية أنّ دور القضاة ينحصر في التطبيق الحرفي للقانون وأنّه ليس من حقّهم تأويل النصّ القانوني ويعتبر الدور الإنشائي والخلاق للقاضي le rôle créateur du juge ضربًا من ضروب تجاوز السلطة وتدخلاً في مجال عمل السلطة التشريعية... وهذا طبعًا ضرب آخر من ضروب الهذيان لا طائل من الخوض فيه.

خامسًا وهذا الأهم: لقيس سعيّد أن يطارد حلمه الشخصي كما يشاء وسيكون على بنات وأبناء هذا الوطن أن يذكّروه بأنّ حساب حقله وهمٌ كسراب البيد وبأنّ حساب البيدر هو الحقيقة الوحيدة التي تظل والّتي سيكتشفها قريبا إن شاء الله وبأنّ العصفور الّذي انطلق من القفص لن يعود إليه أبدًا أبدًا أبدًا.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات