في مقالي الأخير حول خطاب الطبوبي الامين العام لاتحاد الشغل في اجتماع الاطارات النقابية لجهة تونس يوم السبت 13 جوان بقصر المؤتمرات…حاولت فهم المنطق الداخلي لخطاب الطبوبي في جمهور النقابيين.
كان منطق خطاب الطبوبي يحكمه «الوجه والقفا » . كان الأمين العام يتحدث عن جهة ويكثر الحديث حولها ليخفي الحديث عن جهة أخرى أو فلنقل انه كان يتحدث عن شيء ليتجنب الحديث عن شيء آخر. كان ببساطة يمعن في الحديث عن الحكومة بحرية ويتصادم معها بقوة و لكنه كان يتفادى التصادم عن قيس سعيد .
كان التمرين صعبا وفشل فيه الطبوبي كما قلت في مقالي لأنه كلما اظهر لنا الوجه اطل علينا القفا وبالرغم عنه لان لعبة الإظهار والاخفاء كانت على درجة من الاضطراب ويفسدها حماس الطبوبي الذي ربما دون وعي منه يهاجم سعيد بشكل صريح و بجمل عنيفة يسرقها الانفعال من « الحكمة».
عود الى حديث الوجه والقفا
في جلسة التفاوض بين الاتحاد والحكومة التي جرت يوم 13 جوان للوصول إلى اتفاق يجنب البلاد الاضراب العام في القطاع العمومي يوم 16 جوان وهي عبارة عن اجتماع 5+ 5 كشف صلاح الدين السالمي عن لعبة الوجه والقفا بشكل شبه صريح.
قال بالحرف الواحد في تصريح صحفي » الفريق الحكومي المفاوض لم يكن منسجما وكان متضاربا في الآراء، حيث وقع الاتفاق على إلغاء المنشور 20 والتنصيص على ذلك في محضر الجلسة، إلا أن الفريق الحكومي المفاوض تراجع عن ذلك». وتابع السالمي قائلا: « كأن فريقا حكوميا ثانيا كان بتفاوض معنا عن بعد ».
جميل هذا الناسخ »كأن » في كلام صلاح الدين السالمي …جميل هذا الناسخ الذي يعني في معجم اللغة الشك والظن أو في أحسن الحالات التقريب …
لا شك ولا تقريب ولا هم يحزنون . كان الطبوبي يتكلم عن الحكومة وهو يعرف انه لا وجود لها وان المسؤول الوحيد عن كل ما يقع في البلاد هو رئيس الجمهورية . كان يعلم علم اليقين انه لا حاكم آخر يشاركه حكمه . لكن ضرورات السياسة كانت تفرض عليه هذا الخداع الذي لا يخادع أحدا لا النقابيين ولا غيرهم . لقد لخص الطبوبي كل ذلك يوما حين تحدث عن علاقة الاتحاد بالحكومة ساخرا من نجلاء بودن قائلا »كلما جئنا نتفاوض معها ذكرتنا بالامر117 » .
كان الأمر 117 حاضرا في ذهن الطبوبي باستمرار، ولكنه كان يخفيه خوفا من تسييس التحرك فإضراب يوم 16 جوان ليس »إضرابا سياسيا » كلام قاله الطبوبي وكرره سامي الطاهري مرار مع التأكيد أن الاتحاد لا يستحي من الإضراب السياسي فقد نفذه على حد قول الطبوبي في اجتماع 12 جوان عقب اغتيال شكري بلعيد في 2013 . فالاتحاد لا يخدم مصلحة أحدا ولا علاقة له بجبهة الخلاص فهو يتبرأ منها ويعتبرها أكثر خطرا من انقلاب 25 جولية الذي يدعمه الاتحاد بالأمس وغدا وفي كل وقت .
اجتماع 13 جوان بين الحكومة والاتحاد كان تفاوضا مع جهة ظاهرة وأخرى خفية …فلا المفاوضون الظاهرون مفاوضين ولا الحكومة حكومة.
إننا نشاهد مسلوبي الإرادة مسرحية من نوع التراجيكوميدي عنوانها » الوجه والقفا » ، الاتحاد يتحدث فيها عن الحكومة ليتجنب الحديث عن رئيس الجمهورية . ورئيس الجمهورية يرسل الحكومة لتفاوض الاتحاد حتى يتجنب ان يفاوضها مباشرة، ولكنه في الواقع يحرك الخيوط والشخوص في لعبة الوجه والقفا يشارك فيها الجميع بلا حذق في حين تسير البلاد رويدا رويدا نحو خرابها الأخير وجها وقفا .