استمعت بانتباه الى الصديق زهير حمدي الامين العام للتيار الشعبي المشارك في مداولات لجنة دستور انقلاب 25جويلية وهو يتحدث عن مسألة تجريم التطبيع وما طرحته من جدل داخل لجنة منصبة رفضت تضمين هذا البند في مسودتها المزعومة .
و قد فوجئت فعلا بالتفهم الكبير الذي أبداه السيد زهير حمدي تجاه احتراز من اسماهم بخبراء اللجنة من مسألة ادراج هذه المسألة في نص الدستور وهي بالضبط نفس الحجة التي تم تقديمها من تحالف الاغلبية في المجلس الوطني التأسيسي واعتبرها وقتها الاخوة في التيار القومي المعارض لحكم الترويكا خيانة وطنية للقضية وللامة .مما يجعلنا لا نفهم اليوم هذا التفهم لما اعترضوا عليه وقتها.
كما توقفت بانتباه عند مقترحه "المعتدل" جدا كبديل لصيغة التجريم المباشر عبر عرض صياغة في الديباجة لا تختلف كثيرا عما هو مضمن حاليا في ديباجة الدستور المنقلب عليه الا بجملة باردة لا معنى لها ولا اثر .علما وان البرلمان الذي اغلق بدبابة " تصحيح المسار" كان سيصادق على قانون اكثر جذرية في مواجهة التطبيع لو حرصت الكتلة الديمقراطية على التمايز عن عبث الكتلة الفاشية ووضعت الكتل المساندة لحكومة طلبة التجمع امام مسؤوليتها في مواجهة الشارع السياسي المناصر للانتقال الديمقراطي الوطني .فهل ضيعنا بالانقلاب ما كان متاحا اكثر منه بالديمقراطية ؟
هذا دليل اخر على ان كثيرا من مساندي انقلاب جويلية لم يساندوه الا باعتباره مدخلا لإزاحة خصم ايديولوجي بالقوة القاهرة للدولة دون ان يكون في هذا الانقلاب ما يؤكد لهم انه فعلا مشروع " تحرر وطني " او مشروع "مقاومة" وقد قلنا حينها ردا على هذا الوهم انه لن يكون الا شبها لكذبة انقلاب السيسي الذي صوره لنا بعض العروبيين في مصر وحتى تونس انه جمال عبد الناصر يعود على حصانه قبل ان يفصح عن حقيقته نظاما تطبيعيا اذاق ويذيق غزة الويلات ويفرط في ما تبقى من سيادة مصر المهتوكة اصلا .
و الان ومع تأكدنا من استحالة تضمن دستور انقلاب بلا سند داخلي اي فصل قادر على ضمان استقلال القرار الوطني في اي من المسائل الثقافية والقومية والاقتصادية ..يبقى من حقنا ان نسأل بصدق : هل سيكون للتيار القومي العروبي قدرة على رفع الصوت في مواجهة مسار 25 الذي لم يعد يخفي استعداده للتنازل عن كل ما يحصن الوطنية التونسية واستقلالها ام ان هذا التيار سيواصل "حسن ظنه" بهذا الانقلاب الذي نعرف من يسانده عربيا بفرح عارم من نظم الاستبداد والتطبيع ؟
نسأل ولا ننتظر الاجابة فنحن على يقين فكري ان الاستبداد العربي قديما كان او معاصرا لا يمكن ان ينتهي الا الى الارتهان .ونحن على قناعة نظرية و عملية ان الديمقراطية والحرية هي فقط التي يمكن ان تؤسس لدولة المواطنة التي تملك بشعب المواطنين الاحرار ان تكون منخرطة في خيار التحرر الوطني للامة والتي تكون بشعبها الحر قادرة على الممانعة في مواجهة الابتزاز ..وحدها الديمقراطية تملك قدرة تحصين القرار الوطني ..تلك هي دروس عقود من الهزيمة تحت براثن الاستبداد .. ..دون ذلك لا تستطيع الانقلابات وان تغطت بأكاذيب الوطنية والارادة الشعبية الا ان تكون دولة طغاة رهينة عند الغزاة ...فالعبد لا وطن له …