من طرائف مشروع دستور سلطان البلاد هو ما تضمّنه الفصل 121 في باب "الوظيفة القضائية" (هذا الباب الذي جاء في 8 فصول فقط مقارنة بـ 16 فصلًا منظّم للسلطة القضائية في دستور 2014 وذلك دون احتساب فصول المحكمة الدستورية في الدستورين).. الفصل المذكور تضمّن إطنابًا وإسهالًا تشريعيًا في مسألة تفصيلية ألا وهي مسألة نقلة القاضي وبالخصوص النقلة لمصلحة العمل بتعريف مفهوم المصلحة، ومعاييرها وصورها ومدّتها القصوى، وهي مسائل تفصيلية بعضها ذات صبغة إجرائية مجالها القوانين لا الدساتير، فلم يتعرّض دستور 2014 ولا مسودة بلعيد وقبلهما دستور 1959 لهكذا تفاصيل.
وتأكيدًا لما سبق أن الفصل 121 من الدستور ليس حقيقة إلا نقلًا حرفيًا لثلاث فقرات كاملة من الفصل 17 من المرسوم عدد 11 لسنة 2022 المؤرخ في 12 فيفري 2022 المتعلق بإحداث المجلس الأعلى المؤقت للقضاء.. إطناب رئيس الجمهورية ببساطة لا يعكس رغبة في تعزيز ضمانات استقلالية القاضي وبالخصوص حمايته خلال مسار الوظيفي، بل يعكس في الواقع الطابع المتوتر الذي يسود مشروع الدستور من توطئته إلى نهايته ورغبته في تصفية حساباته .
بخصوص هذه النقطة تفصيلا، لم يتجاوز رئيس الجمهورية بعد قرار المجلس الأعلى للقضاء بنقلة زوجته القاضية إشراف شبيل من خطة وكيل رئيس المحكمة الابتدائية بتونس وتعيينها قاضية من الرتبة الثالثة بمحكمة الاستئناف بصفاقس من أجل مصلحة عمل بمقتضى الحركة القضائية 2020-2021. وهو ما كان محلّ اعتراض لاحق منها، ليقع تسميتها بعد قبول اعتراضها قاضية بمركز الدراسات القانونية والقضائية بالعاصمة.. رئيس الدولة اعتبر وقتها أن إبعاد زوجته خارج العاصمة من قبيل المناكفة من المجلس الأعلى للقضاء.
عموما، ها هو "كاتب التاريخ" يثأر لنفسه ولزوجته في مشروع دستوره.. وأصبحت معايير نقلة القاضي مدسترة.. قيس سعيّد لم يدستر المجلس الأعلى للقضاء، وتنظيم القضاء العسكري، ومنع إنشاء المحاكم الاستثنائية، وتحجير التدخل في القضاء وتحجير الامتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية.. لم يدستر كل ما سبق، ولكنه في المقابل دستر نقلة القاضي لمصلحة العمل تعريفًا ومعاييرًا ومدّة!