نحن لسنا إزاء انتخابات عادية تشريعية رئاسية او بلدية بل نحن إزاء استفتاء دستوري تأسيسي، و بالتالي فإن مشاركة نسبة 25% من الجسم الانتخابي هي نسبة هشة و ضعيفة جدا. ثلاثة أرباع الجسم الانتخابي، ( و لا يهم هنا هل فيهم مقاطعون أو غير مهتمون أو عندهم طهور أو حنة فوق السطوح كما تحاول أن توهمنا ذلك بعض التحاليل و بعض الاحصائيات ) لم يشاركوا جملة و تفصيلا في هذا الاستفتاء التأسيسي…
لا أكاد أتذكر في التجارب الدستورية المقارنة استفتاءات بهته المشروعية الضعيفة و الهزيلة، و سأعطي أمثلة سريعة:
- في فرنسا، دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة المؤرخ في 4 أكتوبر 1958، تم التصويت عليه بنسبة مشاركة ناهزت 79% من الجسم الانتخابي.
- في اسبانيا، الدستور الاسباني لسنة 1978 تمت المصادقة عليه بإستفتاء بلغت نسبة المشاركة فيه 67,1% من مجمل الجسم الانتخابي.
- في ايطاليا، الشعب الايطالي رفض التعديل الدستوري، سنة 2006، الذي عرضه عليه رئيس الحكومة انذاك Silvio Berlusconi و القاضي بتحويل الدولة الإيطالية من دولة موحدة بسيطة ( ذات تنظيم جهوي) الى دولة اتحادية بنسبة مشاركة في الاستفتاء بلغت 53%. نفس السيناريو عرفه سنة 2016، رئيس الحكومة انذاك Matteo Renzi، حينما حاول تعديل الدستور و حذف مجلس الشيوخ il senato الغرفة الثانية من البرلمان الايطالي بعد اصطدامه برفض شعبي لمشروعه بعد نسبة مشاركة بلغت 65%.
- في المملكة المتحدة، استفتاء Brexit، نسبة المشاركة فيه تجاوزت نسبة 70%.
- في رومانيا، الدستور الروماني لسنة 1991، عرف تعديلا هاما سنة 2003 تمت المصادقة عليه باستفتاء شارك فيه 56% من مجمل الجسم الانتخابي.
- في بولونيا، الدستور البولوني لسنة 1997 رغم ضعف نسبة المشاركة في استفتاء المصادقة عليه الا انها تجاوزت 43%.
هذا ما يفسر أن العديد من الأنظمة المقارنة تشترط نصابا ( عتبة) ضروريا في المشاركة لكي يقع اعتماد الاستفتاء و نتائجه. بعض الامثلة: 50% في الدستور المجري، 33،3% في الفصل 41 من الدستور الكولومبي و الامثلة في القانون المقارن التي تندرج في هذا الاطار عديدة و عديدة…
و بالتالي فإن نسبة 23% التي صوتت بنعم أعادت فقط تجديد ثقتها في رئيس الدولة قيس سعيد ( مع خسارة تقريبا 700 ألف صوتا مقارنة بالنسبة التي سجلناها في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية سنة 2019 ) و أكدت الطابع المشخصن للاستفتاء و هي بعيدة كل البعد عن النسبة المحترمة و المعقولة لبناء تأسيسي جديد...
بدأ الاستفتاء غريبا و عاد غريبا، فطوبى للغرباء..