كلاهما لا تتعلقان بنسبة من قالوا نعم، لأن نسبة 92% ممن شاركوا في الاستفتاء لا تدعو البتة للاحتفال في الساحات العامة ولا الخروج بالتزمير أو رفع قبضة اليد. وإنما قيمتها فقط أنها تذكّر بالنسب التي كانت تعلنها وزارة الداخلية زمن المخلوع في كل الاستحقاقات الانتخابية التي خاضها، بما فيها استفتاء 2002. ولكنها عمليا لا تساوي شيئا، إذا استثنينا أنها تكشف الأمية السياسية لمن فهموا منها أنها دليل على انتصار يستحق الاحتفال، فضلا عن أنها تكشف مغالطتهم لأنفسهم بأنها دليل على شعبية واسعة أو تكريس لمشروعية طالما وقع ادعاؤها.
وإنما النتيجة الأولى التي اتضحت للجميع هي أن الانقلاب عار من أي شعبية، وأن الذين يدعّمون 25 جويلية، بعيدا عن كل الادعاءات والأكاذيب أو الأوهام، إنما هم فقط ربع التونسيين هذا إن سلمنا جدلا بأن الانتخابات جرت في كنف الشفافية والنزاهة، وأن الهيئة المنصبة للانتخابات، تتحلى بقدر من المصداقية.
وعندما يكون ربع الناخبين عبروا عن موافقتهم على دستور 30 جوان الذي وقع إصلاحه في 8 جويلية، فهذا لا يعطي صاحبه أي مشروعية أو شرعية، ولا يعكس أن له شعبية، ولا يدعو للاحتفال بأي قدر ممكن. وإنما هذه النتيجة المتدنية تؤدي في الظروف العادية وكدليل على الإيمان بالديمقراطية، إلى الاعتذار لدى أولئك الذين قالوا نعم، ومصارحتهم بالفشل الذريع.
النتيجة الثانية، وهي الأخطر وتتمثل في تكريس انقسام الشعب التونسي، استكمالا لكل الخطب التي سمعناها على مدار السنة والسنتين وحتى يوم التصويت، عن الخونة والعملاء والمخمورين والفيروسات والحشرات والشياطين الخ الخ.
تلك اللغة أدت اليوم إلى انقسام حاد، تغذيه التنسيقيات وميليشيات الحشد الشعبي، ومن نزلوا للميادين من أجل القضاء على الحريات، حرية التعبير وحرية الاجتماع وحرية الرأي وحرية التنظم، وقد رأيناهم في أكثر من مدينة من الشمال إلى الجنوب، يحاولون إفساد اجتماعات المعارضين. والأخطر أن يفتح ذلك على استعمال مؤسسات الدولة في تكريس ذلك الانقسام من أجل تعامل مختلف بين أنصار قيس سعيد، ومعارضيه، فيتحول إلى عنوان الانقسام. وتلك النتيجة التي لا يسعى إليها من يصلون إلى تمثيل شعوبهم.
والمشكل هنا بالنسبة إليه في انعدام التوازن بين الطرفين، الأنصار والمعارضون. الأنصار طالما ادعوا أو توهموا أنهم الشعب بكامله، وأن معارضيه يستحقون السحل والسجن والتنكيل، فإذا بأول استحقاق بعد 25 جويلية يكشف بوضوح أن هناك أقلية لا تتجاوز ربع التونسيين من جهة وفي الجهة المقابلة ثلاثة أرباع التونسيين. وبلغة الأرقام 2.3 مليون من جهة و7 ملايين من جهة أخرى. وهذه النتيجة الساحقة التي لا يمكن إخفاؤها أو تجاهلها أو غمطها، شكلت هزيمة ليس لمجرد مشروع دستور، وإنما لمسار انقلابي على مؤسسات الدولة.