صداع النوفمبرية الجديدة
دعوة الاستاذ غازي الشواشي الى التحقيق على خلفية تصريحاته السياسية هو علامة بداية نفاذ صبر سلطة الامر الواقع من العنوان السياسي الذي يمثله الخماسي الحزبي ومن حوله من الشخصيات الديمقراطية والحقوقية المستقلة والمجموعات الشبابية والتنظيمات المدنية التي ستجد نفسها بالضرورة في محيط هذه الجبهة السياسية الثانية ذات الثقل الرمزي في مواجهة الانقلاب بالتوازي مع جبهة الخلاص التي تضم في محيطها الطيف الاول لحركة المعارضة التاريخية للاستبداد .
جبهة الخماسي - التي لم يكن بإمكان سلطة الانقلاب وصمها بالتحالف مع " الخوانجية " او ارهاقها اعلاميا باستحضار عبء " العشرية السوداء - رفعت بشكل مطرد من سقف اعتراضها على 25 جويلية لتصبح " الخط الثاني " الواقف في المواجهة الحدية لسلطة الامر الواقع متخففة من كل اثقال " السردية الجاهزة " في الاجندة الدعائية المعدة لمواجهة " خصوم الانقلاب" (التحالف مع الخوانجية ..الدفاع على منظومة 24 ..الارهاب ..الفساد ..الخ ) ولهذا السبب بالذات اصبحت اليوم تمثل صداعا حقيقيا للنظام .
في هذه الجبهة احزاب ثلاثة تحمل رمزية تاريخية من ارث المقاومة الديمقراطية للنوفمبرية :
حزب العمال وزعيمه حمة الهمامي الذي لم يضيع بوصلة الوقوف امام كل انحراف تسلطي والذي لا يكف عن اعلان تميزه عن " الاسلام السياسي " فيفرح النوفمبريون قبل ان يخيب ظنونهم سريعا بخطاب راديكالي في مواجهة 25 جويلية بما يوقع سردية الانقلاب الجاهزة في ارتباك صارخ لنظام حجاجها مع خصومها.
عصام الشابي وحزبه الجمهوري المتسلح بصفحات مشرقة من تاريخ البي دي بي استطاع على امتداد عشر سنوات الحفاظ على توازن فكري وسياسي تغيب فيه كل نغمة استئصالية محببة للتسلطيين، ولكن تغيب فيه ايضا كل استعدادات وظيفية للركون للتسلط وتبريره ما جعل الرجل محل احترام من جميع القوى التي حافظت على اخلاصها لثورة 2011 والانتقال الديمقراطي .
التيار الديمقراطي بزعامة الشواشي / الحامدي ورفاقهما ممن اعادوا لهذا الحزب بصعوبات حقيقية لا تخفى القه كحزب سليل لأحد مكونات الحركة الديمقراطية التاريخية والمفارقة فعلا ان الرجلين وعدد من رفاقهما لا ينتميان تاريخيا لل"مرزوقيزم" المدرسة الاصلية للتيار الديمقراطي ولكن تجذرهؤلاء القادة في الارث المشترك لحركة المعارضة الوطنية مكنهم من تخليص التيار بسلاسة وذكاء من خطاب التوتر المجاني مع المختلفين و توجيه طاقته في الخطاب الجذري الى الاستبداد وهو ما يظهر في توتر الخطاب الانقلابي للسلطة التي يردد رئيسها باستمرار ان هناك اطرافا مختلفة ومتصارعة التقت الان مع بعضها في المواقف بعد ان كانت متصارعة مما يؤكد ان التيار الديمقراطي اصبح منذ اشهر عديدة يغضب الانقلاب في ضرب وضعية الاستقطاب التي يراهن قيس سعيد في الحفاظ عليها بين القوى المناصرة للديمقراطية .
دعوة غازي الشواشي ستكون الخطوة الاولى نحو محاولة الارباك الشامل لكل العناوين المعارضة للانقلاب في معركة كلية لا تميز ولا تلتزم بالتكتيك السابق في وضع اولويات الاستهداف ودق الاسفين بين الجبهات ...لكن هل ان خيار المعركة على الكل تملك الان مقومات نجاحها ؟ ننتظر ونرى .