كيف نقرأ تونسيا استقالة ليز تراس من منصبها كزعيمة لحزب المحافظين ورئيس لوزراء بريطانيا؟
أوّلا: أن تمرير الاصلاحات المالية والاقتصادية هي أصعب مهمة يمكن أن يقوم بها حاكم، خصوصا اذا كان حاكما ديمقراطيا، وأن المهمة من الصعوبة والخطورة بحيث تستدعي استقالة المسؤول التنفيذي الأهم، على الرغم من مضي 45 يوما فقط على توليه المهمة وتحقيقه لحلمه الشخصي ربما، وذلك اذا قدّر أنه عاجز عن تنفيذ وعوده.. ولا عناد في هذه المسألة أو هروب إلى الأمام..وحده الحبيب الصيد الذي قرر الذهاب الى البرلمان وطلب الثقة من جديد.. رغم علمه أنه سيخسر التصويت..قال لي حينها من سيدفع ثمن العناد..لا أرضى أن تدفع تونس ثمن تشبثي بالسلطة!!؟
ثانيا: أثبتت استقالة تراس أنها ليست "مارغريت تاتشر"، وأن السياق مختلف بينهما تماما، رغم محاولات بعض المحافظين وبعض الصحفيين، وربما تراس نفسها، الايحاء بذلك.. لا أحد يكرّر تجربة أحد، ولا حاكم يشبه حاكما آخر رغم وجود بعض أوجه الشبه..بورقيبة لن يتكرر وبن علي لن يتكرر..لا أحد بمقدوره ليَّ عنق التاريخ أو ارتداء جبَة ليست على مقاسه.. ومن يحلمون بعودة دولة "الحديد" والنار مخطئون.. تاتشر قصّة أخرى.. وحسناً فعلت تراس..فهل من معتبر!!؟
ثالثا: البريطانيون يدفعون ثمن الخروج من الاتحاد الأوربي غاليا.. والشعبوية التي جاءت بجونسون ومن بعده تراس لم تقد في جميع تجاربها إلا إلى الخراب..لأنها تبيع الأوهام وتستغلّ أزمة عابرة لتصنع "ورطة كبرى".. وستحتاج معالجة هذا القرار الشعبوي الكثير وستكلف سكرة ذلك "الاستفتاء اللعين" البريطانيين غالياً.. مع فارق أن الأمم الكبيرة لديها دائما احتياطي ضخم يقيها شرور الأمزجة المنحرفة.. أمّا مغامراتنا نحن فكيف لنا بكلفتها يا قوم، وهي تقودنا إلى "الضحضاح"..
وكل استقالة والبريطانيون سالكون..أما نحن فنواصل السير وراء نظيف لا يعرف وجهته.. وضعافنا لا تدفعهم إلى السير وراءه سوى أهواؤهم وأحقادهم والشماتة في بعض اخوانهم.. وما قادت الأهواء والأحقاد قوما إلى صلاح أبداً؟