قال الاستاذ عصام الشابي ان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عبر عن امله في " أن تضم الانتخابات التشريعية القادمة في 17 ديسمبر كل الأحزاب و القوى السياسية في تونس بهدف استكمال المسار"... و علق الشابي انه " تصريح لا يليق الا بدولة كانت تدعم ،الى آخر لحظة ، في نظام بن علي ايام الثورة بتزويده بما يحتاجه من قنابل مسيلة للدموع في مواجهة انتفاضة شعبه."
و أضاف عصام ان "فرنسا التي خسرت مواقع كثيرة في افريقيا تواصل توخي سياسة خارجية ضد اتجاه التاريخ. ان كان الرئيس ماكرون لا يعلم أن الأغلبية العظمى من القوى السياسية و المدنية في تونس تقاطع الانتخابات المهزلة ، فتلك مصيبة . و ان كان يعلم فالمصيبة أعظم."
تعليقي على قول عصام ان ماكرون - مثل والي صفاقس تماما - يعلم دبيب النملة في باب الجبلي فهو يعرف تفاصيل تونس كما يعرف خطوط يده ولكن ما اعتبره عصام سيرا ضد التاريخ بعد ان خسرت مواقع كثيرة في افريقيا هو نفسه مبرر فرنسا لمواصلة دعمها للستاتيكو الحالي في تونس .
فرنسا " دعمت " (حتى لا نقول شيئا اخر) 25 جويلية لإنهاء صداع رأسها من " الربيع العربي " و" الاسلام السياسي " في مستعمرتها التاريخية الأفضل حيث تتمترس " نخبتها" منذ عقود في قلب الدولة وسيستامها ولن تكف عن هذا الدعم حتى تنتهي من تقليم اظافر خصمها الاسلامي وسائر المخرجات الديكولونيالية او ذات النفس غير "الفرنكفولي" (اقصد الفرنكفولي مش بالنون ) وفي كلمة مخرجات 23 اكتوبر 2011 .
تقليم الاظافر هذا ليس مطلوبا ان يكون بالاستئصال، بل بإعادة تركيب البدائل حتى داخل " النهضة" نفسها ان امكن وفي عموم المشهد التونسي حكما ومعارضة وعندها لن يكون هناك لديها مانع للدفع نحو استعادة التداول الديمقراطي على الحكم لتدوير "ابنائها" / نخبتها ..بين الحكم والمعارضة .
خسارات فرنسا في افريقيا هي بالذات التي تدفعها الى الحرص على الحفاظ على موقعها وموقع نخبها لاعبا رئيسيا في المشهد التونسي فبلادنا ورقة مهمة وباب رئيسي لباريس في ترتيبات المنطقة .
لا شك ان فرنسا تفكر باستمرار ولا تمانع في تجديد اصدقائها داخل النخبة التونسية لكن حرصها الايديولوجي الدائم على تحديد خصائص اصدقائها فكريا وثقافيا يجعل من سياستها مع المشهد التونسي قائمة على رغبة في ان يكون لها " عملاء" لا مجرد اصدقاء .
لهذا السبب بالذات نعتبر انه اذا كان هناك سير ضد التاريخ تمارسه فرنسا فهو حرصها المرضي هذا على ان لا تعامل القوى الجديدة في الزمن التونسي الجديد على قاعدة احترامنا كنخب و طبقة سياسية جديدة لا نعادي فرنسا بقدر ما نريد ان نتعامل معها كثقافة وامة صديقة فهي الأقرب لنا ..لكن دون ان نكون نسخة رثة على شاكلة " كلاب حراستها" التقليديين ممن بدا زمنهم في الافول بعد ان امسكوا بمصير بلادنا التربوي والثقافي والاقتصادي والسياسي على امتداد عقود دون ان يتمكنوا من تحويل تونس الى انوار باريس ونهضتها وعقلانيتها التي نحسن اكثر منهم قراءتها لنعرف ايجابياتها ولندرك خصوصا مواطن قصورها التي حولت فرنسا اليعاقبة الى عجوز هرمة وسط اوروبا المتجددة وجعلتنا نعاني قصورا هيكليا موروثا من قصور " الأم المفروضة " علينا .
تلك ازمتنا السياسية الراهنة التي تلعب فيها فرنسا الان هي و "اولادها " للأسف دورا رئيسيا في مزيد تعميقها . فرنسا الديمقراطية هي بالضبط التي تصل في سنوات هرمها وتيهها الحالي الى المراهنة في تونس اليوم على أردأ مخرجات الشعبوية الرثة والشموليات الآفلة بعد ان لم يعد لها ما تحييه من نخب البورقيبية الراحلة . لا لشيء الا لأنها لا تريد ان تسمع تونس اخرى صاعدة بنخب اخرى تطير بأجنحة اخرى لا يعوزها الجناح الفرنسي الديكارتي، ولكنها نخب اصيلة منفتحة ايضا على مخرجات حداثة عالمية اوسع تحترم حق الامم في التجذر في خصوصيتها والتشبع بقيم كونية يثريها التنوع .
نحن لا نكره فرنسا على كل حال، بل لعلنا لم نقرأ الا بلغتها ومن خلالها ولو تمنينا العيش في الضفة الشمالية فلن نرتاح الا في باريس نستنشق انوارها ونتتبع اثار فلاسفتنا المحبوبين فيها، ولكننا لسنا مؤهلين لحبها على طريقة "خدمها الذين لم يحسنوا على امتداد عقود في حكمهم لنا الا تحريك ذيول تبصبص لها مثل تلاميذ كسالى سيئين و اذلاء .
حين تدرك فرنسا ان "العيال كبرت" عندها ستعيد ترتيب علاقتها معنا ...دون ذلك ستخسر معنا ايضا كما خسرت مع افريقيا السمراء فأسنان " كلاب حراستها" عندنا قد بدأت في التساقط …
على فكرة كلاب الحراسة ليس سبة انه مصطلح فيلسوف فرنسي قرأناه بلغة صديقتنا الازلية …
هل ترى يا ماكرون ؟ نحن نقول "صديقة" لا "أم" ...هل ترى ؟ هي اشياء لا تشترى ....ماذا لو فهمتنا قبل فوات الاوان ...هو التاريخ يا عزيزي ماكرون ايها الوافد على باريس وانوار ثقافتها بعدنا …