ليس عنوان إثارة وإنشاء ... لقد تصوّرت دوائر السّياسة والفكر في الغرب أنّ التّاريخ بأبعاده السّياسيّة والاقتصاديّة والقيميّة اكتسب صفته الكونيّة العولميّة وانتهى نموذجا كونيّا على جميع شعوب العالم الاقتداء به واتّباعه ... التّعايش والتعدّد والتنوّع والاختلاف لا يكون إلّا في دوائر ما قرّروه هم من عناصر مكوّنة لسرديّة النّموذج الذي انتهى عنده التّاريخ فلا قبله ولا بعده ... إن دخلته فانت مُعْتَرف بوجودك ضمن الأمم الحيّة وإن لم تدخله فأنت بربريّ متوحّش خارج التّاريخ والجغرافيا والإنسانيّة …
مونديال قطر دون تخطيط ربّما، بل من مكر التّاريخ وتدبير الأنطروبولوجيا المتفلّتة من قوالب الاستشراق الاستعماري سفّة سرديّة نهاية التّاريخ ليقدّم نموذجا مقابلا لا يزال حيّا نابضا مشعّا باهرا ... فيه الأبناء يكرّمون أمّهاتهم وآباءهم ... غير مقطوعين عن أسرهم ... أب وأمّ ... ذكر وأنثى كما بدأ الخلق و تطوّرت الخليقة ...
فيه الأخوّة والصّداقة والضّيافة والكرم والنّخوة والرّجولة ... فيه فطرة الإنسانيّة الغيريّة التي شوّهها الإنسان الأخير إنسان نهاية التّاريخ ... الإنسان المتشظّي بين جندريّات لا نهاية لتفرّعها وفوضى تجريبها الشّبقيّ ... هويّات انشطاريّة غير متناهية الانقسام +LGBTQ نعم + أي قابلة لمزيد من التّفريع الهوويّ والتّلوين الجندريّ الذي لا يحتمله حتّى قوس ألوان الطيف الجميل الذي شوّه جماله ورمزيّته الدّينيّة قبح الهوس الجندريّ ... قوس الألوان الذي يرمز في الكتاب المقدّس لأهل الكتاب في العهد القديم لميثاق نوح مع ربّه بعد الطّوفان : "أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلَا يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ ٱلطُّوفَانِ. وَلَا يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ ٱلْأَرْضَ". وَقَالَ ٱللهُ: "هَذِهِ عَلَامَةُ ٱلْمِيثَاقِ ٱلَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ ٱلْأَنْفُسِ ٱلْحَيَّةِ ٱلَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ ٱلدَّهْرِ: وَضَعْتُ قَوْسِي فِي ٱلسَّحَابِ فَتَكُونُ عَلَامَةَ مِيثَاقٍ بَيْنِي وَبَيْنَ ٱلْأَرْضِ". (التكوين 9: 11-13)
هذا المونديال إضافة إلى أجواء اللعب والضّيافة وحسن التّنظيم جدّد العهد والميثاق وبلّغ للعالم رسالة بالغة الأهميّة مضمونها أنّ نموذجا قيميّا آخر يعيش به نصف الكرة الأرضيّة ونصف شعوب العالم يجب أخذه بعين الاعتبار ونحن نرتّب لتركيز آثار نهاية التّاريخ المتخيّلة التي يُرادها فرضها على شعوب العالم كأنّها النّموذج الأرقى والدّين الخاتم …