الإجماع القائم اليوم حول حقيقة 25 الانقلابيّة و آثاره الكارثية كان نتيجة مسار كفاحي مواطني دشّنه مواطنون ضدّ الانقلاب وتواصله جبهة الخلاص الوطني وسائر القوى المناصرة للديمقراطية. وفي سياقه أمكن مراكمة نتائج سياسيّة كبرى في مقدّمتها دحض سرديّة التفويض الشعبي، وإسقاط عنوان "تصحيح المسار" الزائف. وترسيخ حقيقة الصراع الرئيسي بين الانقلاب والديمقراطيّة لتكتمل الصورة يوم 17 ديسمبر 2022.
في صراع الانقلاب والديمقراطيّة انبثق الشارع الديمقراطيّ قوّة سياسيّة ميدانيّة متعدّدة الروافد موحّدة الهدف. وكان هذا الشارع حقيقة كامنة على مدى عشريّة الانتقال لم يكن ممكنا أن تظهر بهذا الاسم وبهذه الحدود السياسيّة وبهذه المهمّة تحت سقف الديمقراطيّة ومرجعيّة دستور الثورة. فكانت مهمّة الدفاع عن شروط الديمقراطيّة أكثر العناوين تعبيرا عن هذا الشارع في حالة كمونه.
فشل الانقلاب الشامل وتحويلة الأزمة الموروثة إلى نكبة وطنيّة تكاد تعصف بالمكتسبات القليلة قديمها وجديدها يطرح مهمّة الإنقاذ ووضع المقدّمات الأساسيّة لذلك. ويستدعي أولوية ضبط مرجعيّة هذه المهمّة الوطنيّة.
وإنّ الإجماع على أنّ الذي حدث انقلاب يجعل من دستور 2014 دستور الثورة الذي يمثّل ميثاقا وطنيا صاغه التونسيون في مرحلة حاسمة المرجعيّة الوطنية والأرضيّة الدستورية الوحيدة للحوار من أجل استئناف بناء الديمقراطيّة. وإنّ القبول بمرجعيّات أخرى غير مرجعيّة دستور 2014 يجعل كلّ خارطة طريق مقترحة في حقيقتها قبول بفعل الانقلاب وانخراط في تركيز منظومته.
وإن استعادة دستور 2014 مرجعيّةً ينهي مشكل الشرعية الذي وضع فيه الانقلاب مؤسسات الدولة، ولا يطرح بالمرّة هذا المشكل مثلما يزعم أنصار الانقلاب من جماعة "25 ولكن" بمختلف خرائطهم.
فعلى أرضية دستور 2014 متّسع كاف للاجتهاد والاختلاف من أجل غلق قوس الانقلاب والتفرّغ لإنقاذ الاقتصاد والدولة قبل فوات الأوان.
وهذه المهمة وطنية لا يمكن فيها استثناء الأحزاب والقوى السياسية وحصرها في بعض المنظمات التي كانت جزءا من المشكل، لتوصلنا إلى انتخابات هي وحدها من يقدّر زمنها وكلّ مفرداتها.
إنها مهمة وطنية مطلوب منها أن تضع فوق الطاولة كلّ ما أريد ترتيبه تحتها، لإقرار ما يحظى منه بالاجماع. ويكون الراعي الفعلي فيها ونقطة البداية القناعة العامة بأنّ هذا الوضع غير قابل للاستمرار، وأنه لا أفق لبلادنا غير استعادة بناء الديمقراطية بمرجعية دستور 2014 وبعزم جديد.