كثير من ضفة المتناقضين جذريا مع شباب ائتلاف الكرامة وخطابهم عبروا بشجاعة يشوبها تحفظ عن رفضهم لأسلوب التشفي القضائي عسكريا من نواب هذه الكتلة وعلى رأسهم المثير الدائم للجدل سيف الدين مخلوف .
ليس مهما ان يكون هذا الرفض لمشاعر الانتقام مرفوقا بالاستدراك الذي يصل أحيانا الى الاقرار المسبق بالتهم المنسوبة الى هؤلاء الشباب في المسرحية التي صنعتها النقابات الأمنية لتضخيم ما سمي ب" غزوة المطار" . هؤلاء الرافضون للمظلمة القضائية يخاطبون جمهورهم وكثيرا من رفاقهم الذين تطغى لديهم مشاعر الرغبة في سحل المختلف وهي مشاعر معممة للأسف لدى اغلب " الطوائف" الايديولوجية باختلاف مشاربها بفضل عمليات الشحن المتبادل التي تم الاشتغال عليها اعلاميا بين التونسيين على امتداد عشرية الانتقال منعا لاستقرار مشاعر الوحدة الوطنية كشرط لاستقرار البناء الديمقراطي بعد الثورة .
المهم في هذا الرفض الايجابي رغم ارفاقه باستدراكات التحفظ خوفا من غضب الاتباع هو ان النخبة التونسية ونشطاء الطبقة السياسية بمختلف مدارسها بدؤوا يتحسسون مخاطر الانفلات الغرائزي للحكم الفردي الشعبوي للانقلاب وما اصبح يمثله من خطر على الحريات الفردية والعامة وتوظيف لمؤسسات الدولة الأمنية والقضائية لتصفية الاختلاف والتنوع وفرض الصمت المطلق على الجميع .
يجب تثمين كل مؤشر على بداية الارتفاع الموحد للأصوات باختلاف مشاربها ضد القمع والانتقام والتشفي والفرح باستعمال شوكة الدولة ورعبها حين يكون المتضرر من ذلك خصما …
ومع هذا التثمين علينا الاشتغال بهدوء على تكبير منطقة الوسطية والاعتدال واستيعاب الأطراف القصية يمينا ويسارا في عملية تدرب جماعي على ثقافة العيش المشترك في دولة مواطنة لا في دولة الغلبة وحق القوة والعنف العاري للسلطة المجردة من كل شرعية الا امساكها بأدوات القوة الصلبة .
قدرنا كما كل الشعوب والمجتمعات ان نعيش معا باختلافاتنا وتنوعاتنا على رقعة ارض واحدة تسمى وطنا . في داخل كل واحد منا ذئب على رأي صديقنا توماس هوبز، ولكن هذا الذئب لن تحاصره " دولة التنين " بل ستهذبه العقود والمواثيق والقوانين والدساتير التي تجسد الارادة العامة وتلك هي علامة الحالة المدنية التي تقطع مع الحالة الطبيعية او وضعية الغاب …
جازى الله الانقلاب الشعبوي وبشاعة اتباعه الغرائزيين كل خير فقد بدأ يعلمنا خطر القبول ببشاعة الكليانية وتعميم الرعب كما احسنت توصيفها حنا ارندت ...هناك نور في اخر النفق …