من المهمّ أن يكون هناك مبادرة مدنيّة للخروج من نفق الاستبداد والانهيار، ولإرجاع البلاد إلى سكّة الديمقراطيّة. المعارضات السياسيّة غير قادرة لوحدها على ذلك، ليس فقط لانقساماتها، ولكن خاصّة لحالة الحنق الشعبي ضدّها. إنشاء جبهة مدنيّة واسعة ضدّ سعيّد أمر ضروري ومحمود، واتحاد الشغل، مهما كان تقييمنا لأدائه، دوره محوري داخلها ولا بديل عنه.
ولكن، لا وجود لأيّ حلّ داخل منظومة 25 جويلية، وخاصّة على قاعدة « دستور » سعيّد. أيّ محاولة في هذا الاتجاه لن تكون فقط محكومة بالفشل، بل يمكن أن تتحوّل، على عكس نوايا أصحابها، إلى طريقة لإطالة أنفاس المنظومة أو لإعادة إحيائها بوجوه جديدة وبشروط أخفّ. المطلوب هو غلق القوس، لا محاولة ثنيه.
رأيي هو أنّ التمسّك بدستور 2014 ضروري ليس فقط لما يمثّله من شرعيّة ورمزيّة، ولكن أيضا لأنّ موازين القوى الحاليّة لا تسمح بالوصول إلى حدّ أدنى ديمقراطي خارجه. كلّ البدائل الأخرى ستجنح إلى الرئاسويّة، مهما كانت نوايا أصحابها صادقة. حسب رأيي، إذا أردنا التأسيس لديمقراطيّة، من المهمّ أن نعيد لقواعد اللعبة قداستها. لا يعني ذلك أبدا عدم جواز تغييرها، ولكن ذلك يتمّ وفق شروط واجراءات ديمقراطية. ولا يعني ذلك عودة مؤسسات 2019، فتجديد المؤسسات لا يتعارض بالضرورة مع مطلب استرجاع الشرعيّة الدستوريّة، بل قد يكون، في الوضعيّة الحاليّة، شرطها السياسي.
باختصار، منظومة قيس سعيّد يجب أن تسقط برمّتها، وأي مخرج مشرّف لها يعني فتح الباب أمام تكرار العمليّة في المستقبل ولن يسمح بتأسيس ديمقراطيّة محصّنة.
يبدو أنّ هذا السؤال لم يحسم بعد داخل مبادرة الإنقاذ، ولا يزال أفقها السياسي غير محدّد. لهذا السبب لم أحضر اجتماع البارحة، مع شكري وامتناني لأصحاب الدعوة. وقد وجدت اليوم إسمي في تركيبة إحدى اللجان، ربما عن سوء تفاهم.
معظم الأسماء الموجودة أكنّ لها كلّ الودّ والتقدير والثقة، ويشرفني كثيرا أن أكون إلى جانبها. بل يوجد بينهم أصدقاء وأساتذة أعزاء، ثقتي فيهم تكاد تكون مطلقة. أتمنّى من كلّ قلبي أن يساهم الموجودون في دفع "مبادرة الانقاذ" نحو الأفق الديمقراطي الواضح والحاسم. ولكني فضلت أن أبقى خارجها، وأساهم من موقعي المتواضع بالنقد والاقتراح.
أرجو أن تكون هذه المبادرة قارب النجاة للديمقراطيّة، وربما تكون القارب الوحيد المتوفّر حاليّا، ولكن ذلك يشترط قبل كلّ شيء وضوح بوصلتها.