عبارتان كان يصفني بهما مباشرة عبر الأثير، وأستسمحه اليوم في استعمالهما معه هو، مع إضافة عبارة ثالثة المتخلق. ناظم هاني. إذاعي ليس كمثل غيره، ثقافة وأدبا، ونبلا، وخلقا، وكفاءة. عرفته في مثل هذا الشهر منذ إحدى عشرة سنة تماما، في برنامج "مجلس حول المجلس" الذي كنا نقدمه معا على إذاعة تونس الثقافية،
واستمر التعاون بيننا بعد سنة في برنامج ثان عنوانه "الراية- حفريات حول تاريخ تونس المعاصر"، وكان من إنتاجي أيضا، ولكنه كان يقدمه بطلاقته وثقافته وغرامه. واستمرت لقاءاتنا حتى بعد الاستغناء عن خدماتي في إذاعة الثقافة، إذ كنا نلتقي في أحيان متباعدة ونتهاتف أكثر. وقد اعتبرته شخصيا أحد المكاسب القليلة التي ربحتها بعد الثورة، وصداقته كانت بالنسبة إلي مغنما. في مستوى بعض صداقاتي الأخرى الراقية.
ناظم، وهذا قد لا يعرفه كثيرون، مُفعم بحب الخير للآخرين، والمسألة عنده هواية وغرام، مثله هو يكون الإنسانُ الخيّرُ، يقدم خدماته كبيرها وصغيرها، لمن يطلبها ولمن لا يطلبها، ولمن يعرفهم ولمن لا يعرفهم، هكذا، دون أن يلتفت إلى شكر أو ينتظر عرفانا، وإنما فقط لأنه يشعر بالسعادة ويحقق ذاته عندما يساعد الآخرين، غرامه في ذلك تماما، كما لو أنه جاء من زمن آخر.
تصوروا فقط ما فعله مع "أمي نجوى" التي ليست الأم التي أنجبته ولا كانت ربّته أو حتى عرفته أو حتى رأته وهو طفل، ولكنه يعاملها كما لو أنه الابن البار لأم حنون يأمل الجنة التي تحت قدميها، وقد عرفها وهي عجوز لا عائل لها سوى أنها سوّغت له -وهو طالب- بيتا على ملكها في حي شعبي بالمدينة العتيقة. ثم تولى أمرها بعد ذلك، حتى دلّلها ورعاها، ولما مرضت عالجها على حسابه الخاص حتى رحلت، رحمها الله.
ناظم، تعرض في فترة الكوفيد إلى مؤامرة، خلال برنامج مباشر كان ينشّطه على الإذاعتين الوطنية والثقافية، أكيد أنها من تافهين يزعجهم نجاحه فأرادوا غلق الطريق أمامه، للحيلولة دون صعوده. وهو ما حزّ في نفسه، وهزّ كيانه بعمق، فلا تسمعه بعدها إلا وهو يتحدث عنها، كما لو أنها حدثت البارحة، وها هي في اعتقادي تنتهي به إلى الرحيل عنا.
رحمك الله أيها العزيز. بعض الأصدقاء اتصلوا بي لتعزيتي فيك لما يعرفونه من صداقتنا. تعازي إلى زوجته الصديقة منى الدريدي، وإلى يُوسُفُو الصغير.
رحمك الله ناظم، وأحسن إليك.