منذ الأشهر الأولى للثورة، نجحت النواة الصلبة لمنظومة الحكم في تلهية عموم المواطنين( خاصة المقهورين منهم) بقضايا هووية هدفها تجذير الانقسام الاجتماعي على أساس "وهم" مغالطي وخطير من حيث تأثيراته الممكنة على السلم الاجتماعية. وكان هدفها من ذلك حرف الصراع السياسي عن مداراته الحقيقية وإبعاد مصالح الكارتلات العائلية والشبكات الزبونية عن أي سجال عمومي.
وكانت تلك النواة الصلبة دائما تدفع ببعض خدمها من منتحلي صفة الحداثة أو من الجالسين للناس على طريق الآخرة لتلهية الرأي العام وحصره في قضايا هووية بائسة(الحجاب، النقاب، المثلية، الأمازيغ، رمضان، صلاة الاستسقاء، أضحية العيد الخ) هدفها التغطية على واقع التوزيع الجائر للسلطة، والثروة فرديا ،وجهويا، وإيديولوجيا.
ولذلك فإن كل من يقع في هذا الفخ ويجعل منه موضوعا للكتابة ولتجذير الانقسامات الهووية ما هو إلا حليف موضوعي لتلك النواة الصلبة أو إحدى دماها التي تظن أنها تتحرك بإرادتها لأنها لا ترى اليد الخفية التي تحركها.
مختصر القول: هم يرجون للتطرف بنوعيه( التطرف الديني والتطرف اللائكي) حتى يمنعوا أي التقاء على قاعدة المواطنة والاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين عموم المواطنين. وهم يفعلون ذلك لأن ما يخشونه حقيقة هو انبثاق" كتلة تاريخية" ذات أهداف تحررية واضحة: تحرير البلاد من وكلاء الاستعمار وتحرير الوعي من خرافات النمط المجتمعي التي مثلت الغطاء الأمثل للدولة الجهوية الزبونية التابعة والفاقدة لأبسط شروط السيادة ( والتي يسمونها مجازا "الدولة الوطنية").