لسنوات ظللت ملتزما حيادا حذرا بخصوص ملف بشير العكرمي وما ينسب له من اتهامات، لأنه لم يتيسر لي الاطلاع الكافي للحكم له أو عليه، ولم يتسن لي الاطمئنان لموقف صلب يؤكد صحة ما يلاحقه من اتهامات أو يقطع ببراءته منها.
لسنوات، اخترت الهروب من الموقف في ظل ضبابية المشهد واختلاط الأوراق ولما حف بالقضية من مزايدات وتجاذبات زادتها غموضا، وربما كنت في مراحل أولى أقرب إلى مواقف هيئة الدفاع، لكن اخترت السلبية سبيلا للحياد.
للأمانة، كان ذلك الهروب من الموقف جبنا مني. جبن أملاه الحذر المبالغ فيه من المآزق، والرغبة في الحفاظ على عذرية سياسية، والخوف من أن اتورط في استهداف شخص مظلوم أو انجرف للدفاع عن قضية غير عادلة. ولكنني وجدت نفسي بهروبي ذاك قد تورطت من حيث لا أشعر في سلبية أقرب للتواطئ منها للحياد.
اليوم اطلعت على ما يكفي من المعطيات والحقائق لترسخ قناعتي ولأحسم أمري فأقطع مع سلبيتي وجبني. لسنوات، ظل بشير العكرمي في مرمى النيران وحيدا، إلا من أزر قلة قليلة من المقربين إليه والمؤمنين بعدالة قضيته. لسنوات، ظل بشير العكرمي هدفا سهلا للجميع فهو الخائن والارهابي والعميل والمتواطئ مع المجرمين والارهابيين.
لسنوات ظل بشير العكرمي يقاوم في صمت، ويوم قرر الخروج عن صمته دفاعا عن نفسه في حوار مع مراد الزغيدي، تحركت الماكينة لمنع بث البرنامج. ويوم دعي لحوار مع خولة بوكريم تحركت الماكينة مجددا لتخرسه بالسجن والإيواء الوجوبي…
الكذب زيف يرد عليه ولا يخشى منها. وحدها الحقيقة تخيف. وحدها الحقيقة نسعى لإسكاتنا عندما يكون لدينا خشية أن يفتضح أمر ما. وحدهم المجرمون يخشون الحقيقة فيسعون إلى قبرها، أما من يبتغي عدلا، فلا يتوسل إليها بالتسليم بالصوت الأوحد والرأي الأوحد.
وحدها الحقيقة التي حتمت منع بث حوار مراد الزغيدي، تدفع اليوم لإخماد صوت العكرمي بكل الوسائل بما في ذلك السجن والجنون. اليوم تسنى لي أن أنزع الغشاوة عن عيني لأرى الحقيقة، لا ما يراد لنا أن نراه حقيقة.
اليوم أعلن مقاطعتي للسلع المعلبة الجاهزة، وأجاهر بكفري بشعارات الطهورية الزائفة. اليوم أعلنها صراحة وبكل ثقة واقتناع: بشير العكرمي ظلم كثيرا، وقاوم لوحده كثيرا، وحوكم في صمت كثيرا.
اليوم لن يكون البشير وحيدا. لن يكون بلا صوت. لن نكون بلا حقيقة.