في "العشرية السوداء" دخول سجين أو موقوف في إضراب عن الطعام كان كفيلا بجعل الدولة تستنفر كل مؤسساتها من إدارة السجون إلى وكالة الجمهورية إلى قاضي تنفيذ العقوبات إلى الوكالة العامة إلى وزارة العدل...وتدعوها للتدخل كلا من جهتها إما لإقناع المعني بإيقاف الإضراب أو للحد من آثاره الخطيرة أو للتفاعل مع التداول الحقوقي والإعلامي لخلفيات الإضراب ودوافعه…
اليوم القاضي بشير العكرمي مثلا في إضراب جوع وحشي منذ 14 يوم وصحته تشهد تدهورا على المستويين البدني والنفسي ولا تبدو الدولة منشغلة لحاله ولا معنية بالعمل على توقف الإضراب سواء بالاستجابة لمطالبه المشروعة أو بإيفاد من يُقنعه بتعليقه...بل تبدو الدولة "شامتة" في الموقوف وقد اختارت من قبل أن تُنزّله منزلة "الخصم" بالعزل وعدم تنفيذ الأحكام والكيد له وافتعال القضايا والدوس على الإجراءات وتجريده من حقوقه…
وتنسى هذه الدولة أنها بصدد "الشماتة" في رجل دولة، قاضي سام تُحمل حمايته والدفاع عنه وصون حرمته قانونا على الدولة نفسها: مجلس قضائها، وزيرتها للعدل، رئيسة حكومتها، رئيس جمهوريتها...لكن الدولة كانت دائما وطيلة سنوات - وعجبا - ضد بشير العكرمي وتركته فريسة للتشويه والتوظيف والملاحقة حتى غدا أمرا طبيعيا حال أنه يباشر وظائفه باسم الدولة وصلب مؤسساتها ومحاكمها وتحت قوانينها ولا يمنع ذلك من خضوعه للمساءلة القانونية على أخطائه الشخصية وتجاوزاته وجرائمه - إن وُجدت...لكن ما العمل وقد برأته كل جهات الرقابة وأنصفته المحاكم ومع ذلك لم تذعن الدولة لما قررته بعض مؤسساتها لفائدته!
وضع غريب لا تجد له نظيرا في أي دولة أخرى...دولة تخاصم أحد رجالها وأحد أكبر قضاتها وتنكل به وتلاحقه وتدوس على جميع القوانين للانتقام منه...وهو في حفظها وحمايتها القانونية...!!
لقد أنست الشيطنة والحملات السياسية والإعلامية الدولة في أصول عملها ومسؤولياتها وخضعت طويلا للابتزاز حتى تنكرت لرجالها وللقوانين التي تحكمها!
طبعا نتحدث عن الدولة حتى لا نقول "مسؤولي الدولة" الذين ظلوا يشترون كراسيهم التافهة و"سُمعتهم" السياسية الزائفة والمؤقتة بسمعة القضاء المستقل وسمعة بشير العكرمي وشرفه وحياته!