في أول الإسلام، قال رجل من العامة لعمر بن الخطاب: "والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوم اعوجاج عمر بسيفه"، ثم اختزل معاوية بن أبي سفيان علاقة العرب بالسلطة في خطبة له: "إنما المال مالنا والفيء فيئنا، من شئنا أعطينا ومن شئنا منعنا" (يمكن تطبيق هذه المقولة على الحكومات العربية اليوم: الاقتصاد الريعي ورخص التوريد والصفقات العمومية ومتاهات الإدارة البيروقراطية)، فقام إليه رجل فقال: "بل المال مالنا والفيء فيئنا، من حال بيننا وبينه حاكمناه بأسيافنا"، فلما صلى أمر بالرجل فأدخل عليه، فأجلسه معه على السرير، ثم أذن للناس فدخلوا عليه، ثم قال: "أيها الناس، إني تكلمت في أول جمعة فلم يرد علي أحد، وفي الثانية فلم يرد علي أحد، فلما كانت الثالثة أحياني هذا أحياه الله، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: سيأتي قوم يتكلمون، فلا يرد عليهم، يتقاحمون في النار تقاحم القردة ـ فخشيت أن يجعلني الله منهم، فلما رد هذا علي أحياني، أحياه الله، ورجوت أن لا يجعلني الله منهم"،
حين يفعلها اليوم مواطن عربي يختفي فورا من الدنيا بجريمة إتيان أمر موحش وبقوانين الطوارئ والإرهاب وهضم جانب موظف والجنون إن لزم الأمر، طوّالي على "العصفورية" وهو مصطلح عربي لمستشفى المجانين في الشرق الأوسط أقامه الأمريكيون في ضاحية الحازمية في بيروت منذ 1890 في مكان فيه أشجار كثيرة وعصافير، ومنه ظهر المفهوم في المسرح والدراما وتغنت به صباح عن عشيقها اللذي جننها "عالعصفورية وصلني بإيدو وما طل عليي"،، رغم ظهور نماذج له في مصر في السرايا الصفراء في العباسية أو الشماعية في العراق والرازي عندنا،
ثم جاء عبد الملك بن مروان فقال: "أيّها الناس: إني، والله، ما أنا بالخليفة المستضع (عثمان بن عفان) ولا بالخليفة المداهن (معاوية بن أبي سفيان)، و لا بالخليفة المأفون (زيد بن معاوية)، فمن قال لنا برأسه كذا، قلنا له بسيفنا كذا!"
ومن وقتها، كلهم عبد الملك بن مروان، "خليهم يمشوا ويجوا على التحقيق"، قال عمي الراجل، أما على الأقل أن عبد الملك بن مروان ضاعف مساحة الدولة الإسلامية مرارا ودون الدواوين وفرض اللغة العربية فيها وصك العملة الإسلامية،
المهم، الشعوب تتقدم نحو الحريات العامة والكرامة البشرية والتداول السلمي على السلطة ونحن مازلنا نعتبر المعارضة تآمرا على سلامة من هم في الدولة، وكان ما عمل شيء توه يروح، "توه" قد تكون أشهرا أو أعواما، ذلك أن حريته وكرامته ملك أعوان الدولة، يمكن حرمانه منها إلى أن تثبت براءته، وقتها يروح، مش مشكل،
إما أن نعالج أصل المشكل…
إما أن نعالج أصل المشكل، وإما أن نضيع وقتنا بمعالجة مظاهر المشكل على دفعات لا رابط بينها. أصل المشكل فقرة من خطاب الرئيس تناقلتها وسائل الإعلام عبر العالم واختطفها صاحب الدعوة العنصرية إريك زمور مثل خبز مبارك: "هناك ترتيب إجرامي تمّ إعداده منذ مطلع هذا القرن لتغيير التركيبة الديمغرافية لتونس وأن هناك جهات تلقت أموالا طائلة بعد سنة 2011 من أجل توطين المهاجرين غير النظاميين من إفريقيا جنوب الصحراء في تونس"،
وأي حل لا يمر بهذه الفقرة ليس له أي معنى وسيبدو تهربا من المشكل الأصلي، سيقول لك العالم أنت على رأس الدولة وكل سلطاتها وأجهزتها بيدك، هات لنا الأدلة على ترتيب إجرامي وعن أموال طائلة لتمويله، غير ذلك، لن يفلح أحد في محو هذه الفقرة ولا جعل العالم ينساها، إن دورة سريعة على وسائل الإعلام وقادة الرأي في العالم تعطينا خلاصة وحيدة: "هذه الدولة تخلق مشكلا من الحائط لصرف الاهتمام عن مشاكلها العميقة في الاقتصاد والمجتمع وحملات الإيقاف ومعارك السلطة بعناوين هلامية"،
بالمناسبة: ثمة مراقبون في وسائل الإعلام يقولون إن وراء هذه الفقرة هجمة منظمة في فايسبوك منذ أكثر من نصف عام ضد أفارقة جنوب الصحراء في تونس لشيطنتهم واتهامهم بأكل القطط والكلاب والسرقة وإقامة إمارات ومحاكم مستقلة وجرائم اغتصاب مع اختراع وصم جديد لهم "أجصيون" غزاة وأن مئات الصفحات ظهرت فجأة لتخدم هذه الحملة وأن كل المعلومات المضللة تأتي منها،
ربما يكون من الأجدى أن نبحث عمن يمول هذه الحملة الواسعة، في الاثناء، من الصعب أن يصلح أي خطاب سياسي العلاقة مع الكثير من الدول والمجتمعات والمنظمات الإفريقية، بل من المتوقع أن تتالى الإجراءات ضد بلادنا،