ماذا يعني رحيل كبار مفكّري الأمّة؟

لست أدري إن كان الأمر صدفة أم هو التدبير الإلهي، أن يولد مفكّرو الأمّة الكبار الثلاثة في نفس السنة، فقد ولد كلّ من محمد عابد الجابري وهشام جعيّط وحسن حنفي سنة 1935، وقد توفي الثاني والثالث، أي جعيّط وحنفي، العام نفسه سنة 2021، فيما سبقهما الجابري إلى الرفيق الأعلى بما يقارب العشر سنين، وقد خلّف رحيلهم فراغا كبيرا على صعيد الانتاج الفكري للأمة، إذ كان ثلاثتهم رحمهم الله من أصحاب المشاريع الفكرية الكبرى، التي ظهرت خلال النصف الثاني من القرن العشرين،

جمع بينهم اهتمامهم بالتراث العربي الاسلامي من منظور نقدي تأسيسي، وسعيهم إلى التصدّي للرؤى الاستشراقية في تشكيل صورة الاسلام وخصوصا الاسلام المبكّر منه، فقد نذروا جميع حياتهم العلمية لهذا الشأن العظيم، مشكّلين معا جيلا فريدا لمفكري الاصلاح الاسلامي وحركة التنوير الديني والتيار الحضاري النهضوي..

رحيلهم أيضا كشف ثقبا كبيرا في جدار الأمّة، ألا وهو الفراغ الذي خلّفوه في مستوى القيادة الفكرية للعالم العربي، إذ تبدو الساحة الفكرية العربية الحالية خالية من كبار المفكرين وأصحاب المشاريع النقدية الكبرى، وهو ما ينذر بمرحلة قد تتسم بكثير من السطحية والرداءة والتفاهة، وحتّى تظهر موجة جديدة من هذه الطينة لا بدّ من جهود تبذل لتحريك الواقع والراكد واعادة توجيه بوصلة الأمة..

إن الانتكاسة التي انتهت إليها ثورات الربيع العربي، تثبت أن الأمّة اليوم أحوج ما يكون إلى حركة ثقافية وفكرية ومعرفية وأخلاقية وعلمية تستأنف مشاريع هؤلاء المفكرين المعاصرين الكبار من جهة، وتحيي رؤية الأجيال المؤسسة لحركة النهوض الحضاري العربي الاسلامي التي قادها الأفغاني وعبده والثعالبي وأرسلان وبن نبي وأخرون من جهة ثانية،

لعلّنا بذلك نضع حدّا لهذا السقوط المستدام الذي نعيشه منذ عقود، وهذا التدحرج الحضاري الآثم، وتجعلنا نفكّر من جديد من زاوية الأمة الكبرى، لا هذه الزوايا الضيّقة البغيضة التي تقودنا رغم أنوفنا إلى مسايرة تجزئة المجزّأ وتقسيم المقسّم والقبول بالدنيّة والدونية في عالم لا يعترف إلّا بالكبار.. وفي البدء كانت الفكرة.. وفي البدء كانت الكلمة.. رحم الله هذا الثالوث الريادي من أصحاب الثلاثيات.

Commentaires - تعليقات
Pas de commentaires - لا توجد تعليقات