قال أنطونيو تاجاني، وزير الخارجية الإيطالي: "لا يجب أن نرتكب خطأ ترك تونس للإخوان المسلمين." نعم قالها بلغة واضحة، شبيهة بلغة وزير للحرب، بعيدا بعيدا عن اللغة الدبلوماسية القريبة من النفاق. تكلم بكل وضوح، وكأنه خارج من مؤتمر دولي محوره الحديث عن مستقبل تونس، معبرا عن رأي المتفاوضين، كلهم أو بعضهم. بطبيعة الحال، مثل هذا الكلام، لا يثير ردود أفعال لدى "الذائدين" و"أشاوس المتحدثين" عن "السيادة الوطنية". في حين أن السيادة الفعلية تبدأ من هنا تحديدا.
في معنى ما قاله وزير الخارجية الإيطالي:
1- أن الديمقراطية لا تدخل ضمن المبادئ الكونية، في انتظار تحيين قائمة ما يدخل وما لا يدخل ضمنها، بقدر ما هي منتوج أوربي، يمارسه الفاشيون لا بأس، وخاص بالاستهلاك في أوربا أو الغرب، ويمنع تصديره أو إيصاله إلينا، حتى وإن كنا لا نبعد عن سواحل إيطاليا إلا عشرات الكيلومترات.
2- أن تونس، مثلها مثل كل البلدان الشبيهة بنا، عربية، إسلامية، إفريقية وغيرها أيضا، لا تصلح بها الديمقراطية، نعم هكذا نفهم من هذا التصريح بأن الدكتاتورية تصلح بنا، وهو موقف عنصري تماما.
3- أن الاستثناء العربي أو الاستثناء الإسلامي فيما يتعلق بالديمقراطية، هو الوضع الطبيعي، وهو ما يعني تماما أن ما كانوا ينقدونه فينا، ويعيدونه إلى ثقافتنا أو تاريخنا أو حضارتنا، هو في الأصل وكما هو واضح الآن وليد ثقافتهم، ومصالحهم، ومخاوفهم، وهواجسهم. وربما بإصرار منهم أيضا.
ومع ذلك، فوزير الحكومة الفاشية في إيطاليا يستحق التحية، بقدر وضوحه في قول ما يفكر فيه آخرون، ويشاركونه فيه تماما، والأكيد يتداولونه فيما بينهم، حتى وإن كانوا أقلية. والعجيب أن هذا الموقف اليميني المتطرف (الإيطالي) يتشارك فيما بعض -أقول بعض- اليسار التونسي، وبنفس الألفاظ تقريبا. أقصى اليمين، أقصى اليسار. موسيليني هناك، ستالين هنا.
وفي الأثناء فإن المتحدثين عن السيادة الوطنية، فرحون، ومستبشرون، ومبتهجون، ويبشرون بالأمل الذي تبعثه الفاشية الإيطالية، وتطلب من أجل تحقيقه الدعم الإسرائيلي، لا بأس. نحن خارج التاريخ تماما.